من تاريخ نقابات عمال البناء في حلب /1/
تحدث الرفيق محمود نصري أبو غسان لقاسيون عن ذكرياته النقابية منذ العام 1955 في نقابة المزرقين ونقابة عمال البناء في حلب:
تأسيس نقابة المزرقين
تأسست نقابة المزرقين في حلب عام ١٩٤٨، لكنها كانت محلولة بسبب عدم نشاطها، وفي عام ١٩٥٥ نتيجة الظلم الذي كنا نعانيه وخصوصاً أن عدد ساعات العمل كان ١٢ ساعة يومياً، قررنا تجديد النقابة.
فظروف العمل الصعبة دفعتنا لتجديدها، ولم نكن منتسبين للنقابة، فبحثنا عن رئيس النقابة صبحي حريري، وجمعنا عدداً من العمال ٦٠-٧٠ عاملاً وشكلنا انتسابات قديمة، وكانت هذه الخطوة الأولى التي أنجزناها.
سألنا ما هي الخطوات اللاحقة، وتوجهنا إلى مديرية العمل وقمنا بالإجراءات الروتينية لإجراء الانتخابات، وجردنا الأسماء القديمة والجديدة التي نسبناها نحن، وتوجهنا إلى منازل العمال وشرحنا لهم، ودعونا الجميع للانتخابات التي حددت بعد ٢٠ يوماً.
كنا ٣ أشخاص أنا ومحمد نصري (أخي) وعبد الرزاق رابعة (عبد الرزاق الصالح) تحددت الانتخابات في مقهى الدواليبي جانب المتحف، وأقيمت الانتخابات بوقتها، كانت نزيهة، ولم يكن الترشيح مثل الآن بشروط، بل كان يطلب من العمال من يريد ترشيح نفسه فليرفع يده ويسجل اسمه على لوح، وبعد ذلك تُعطى الأوراق للعمال، وكل منهم ينتخب من يريد.
فزنا نحن، وكنا ٩ مرشحين، بأكثرية الأصوات، وأنا أخذت ما يقارب ٢٥٠ صوتاً.
مكتب نقابة المزرقين
جاء موعد توزيع المهام في مكتب النقابة بعد الانتخابات، عبد الرزاق كان شيوعياً وأنا أيضاً في الحزب الشيوعي، لكن لا يعرفني أحد بعد، وكان التنافس بيني وبين عبد الرزاق على رئاسة النقابة. عند التصويت كنا ٨ أشخاص مجتمعين من مكتب النقابة، وحصلت أنا على ٤ أصوات وعبد الرزاق على ٤، فبعثنا شخصاً من كل ٤ إلى العضو الغائب من أجل أن يصوت، صوت الغائب لي (محمود نصري) وأصبحت رئيساً للنقابة، وأنا لا أعلم بالعمل النقابي.
قمنا بتأمين طاولة ووضعناها في إحدى غرف مكاتب النقابات، حيث كل غرفة تحوي ٣ أو ٤ نقابات، في مقر اتحاد النقابات في جادة الخندق، عوجة الكيالي.
بدأت القوى السياسية في النقابات بالتقرب مني، والشيوعيون أيقنوا أن النقابة لهم، ويجب عليهم تعليمهم (للنقابة) وتيسير عملهم. وبدأنا بالعمل والاشتراكات وغيرها، وكان معنا شرطي من البلدية نتجول على الورشات ونصرف العمال على الساعة الرابعة ظهراً إجباراً، سواء أراد رب العمل أم لا، وفي بعض الأحيان كنا نُصادر العدة الموجودة في الورشة. وفي سنوات 1958-1959 استقر وضع ظروف العمل، وكانت نسبة جيدة من العمال تعمل ٨ ساعات في اليوم.
الانتخابات النقابية
خلال هذه الفترة جرت عمليتان انتخابيتان (١٩٥٥-١٩٥٩). وكان نفوذ الشيوعيين عالياً. وفي عام ١٩٥٩ بدأت الاعتقالات، وفي وقتها كان آخر عمل في النقابة.
في العام 1963 جرى حل كامل النقابات العمالية، كما تم دمج جديد لها، حيث دمجت نقابة المزرقين مع نقابات صب البلاط وصب البيتون والموزاييك والدهان والبناء والنحت. وأصبحوا نقابة واحدة دون الأخذ برأي العمال، وصدر المرسوم /٣١/ للتنظيم النقابي.
وفي العام 1964، أجروا عملية انتخاب للنقابات، وكان اسمي ضمن جدول الناخبين، أقدمت على الترشيح، لكن تم شطب اسمي من الترشيح وجدول الناخبين من قبل من كان يتزعم العمل النقابي، وكان من حزب البعث، ورغم اعتراضي تم رفضي، فقمنا بترشيح بعض رفاقنا وأصدقائنا.
جرت الانتخابات تحت ضغط كبير جداً على العمال، وكان شعارهم «بيضا، بيضا على المكشوف، حمرا ما بدنا نشوف» والحمرا هي قائمتنا. خرج الرفاق المرشحون وبقيت أناقش داخل المقر وحيداً: أن هذا الضغط غير صحيح، وانتهت الانتخابات لصالحهم.
وفي العام 1965 خلال دورة انتخابية ثانية، وصل فيها انتهازيون وحرامية إلى النقابة، وأصبحت النقابة مصدر استرزاق لهم على حساب العمال، وبدأ نضالنا ضد مكتب النقابة.
أحد رفاقنا جبران حلال /أبو سليمان/ آنذاك أوصلني إلى رئيس الاتحاد خالد الجندي، ونظمت زيارات أسبوعية له، وشرحت له مع بعض النقابين (مثل أحمد نعال) عن وضع مكتب النقابة، في البداية أبدى تحفظه، ومن ثم بعد عدة لقاءات تأكد أن المعلومات صحيحة عن وضع النقابة. فأصدر قراراً بحل مكتب النقابة، وكلف لجنة من الاتحاد المهني بقيادة النقابة خلال فترة محدودة وإجراء انتخابات وتسيير الانتسابات والمالية.
وفي اليوم المحدد جاء وفد الاتحاد المهني، رئيس الاتحاد كان نجيب هلال من رفاقنا وهو من السويداء، وكان حيادياً في الموقف الظاهر، فور وصول الوفد حاول المكتب المنحل رشوته، بينما نحن لم نترك الوفد للحظة وأمّنا احتياجاته، وكانت علاقتنا معه جيدة جداً، وبعد فترة من إقامة الوفد استأجرنا لهم منزلاً قريباً في حارة شعبية.
كنا مجموعة من الرفاق نعمل من أجل العمال والتحضير للانتخابات والمتابعة مع الوفد (محمود صايغ، عدنان صباهي وأخوته، وأخوتي وشيوعيون آخرون) وتركنا أثراً طيباً عند الوفد.
خلال عملية التحضير للانتخابات، كان هناك احتفال مركزي للطبقة العاملة بمناسبة عيد العمال، طلبنا بوقتها اللقاء مع خالد بكداش، وخلال لقائنا سأل الرفيق من يقود العملية الانتخابية؟ فأشاروا إلي، وسأل عن الاستعداد، وأجبته أنها جيدة جداً، ومن ثم سأل عن التحالفات فقلت له لا، قال لي لا يجوز ولا تنغروا بقوتكم، الوضع ليس كالسابق.
بحثنا عن بعض الوجوه الشريفة في المهنة لإنشاء التحالفات. وكان لي الدور القيادي في التحضير للعملية الانتخابية. بدأت الانتخابات، وبعد ساعات كان الفوز من نصيبنا، خمسة رفاق وكنت أحدهم. وبعد نهاية الانتخابات تبينت أرجحية رأي الرفيق خالد.
أمين سر نقابة البناء
أصبحت أمين سر نقابة عمال البناء في حلب، وموسى رحمون رئيساً للنقابة، والأربعة الأخرون أصبحوا معنا في العمل النقابي خلال شهرين وأصبح موسى رحمون صديقاً للحزب.
جرت الانتخابات هذه عام ١٩٦٦ في منتصفها، واستمررت في هذه المهمة حتى ١٩٧٢-١٩٧٣.
توفي رئيس النقابة موسى رحمون ١٩٧٣ أو ١٩٧٤، واتوا برئيس جديد وغيروا تركيب مكتب النقابة، وتحت الضغط تم استبدالي، وأصبحت محارباً، واستمرت عملية العمل في مكتب نقابة عمال البناء حتى عام ١٩٨٠.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1016