قانون التشاركية ولد ميتاً..
ترى الحكومة في التشاركية ملجأً لمعالجة المشاريع المتعثرة والمؤسسات والمعامل المدمرة في القطاع العام، ويظنون أن القطاع الخاص سيركض وراء هذه المشاريع (المكتنزة بالأرباح الدفينة) وينسون أن معظم معاملنا القائمة أصبحت آلاتها ومعداتها قديمة، ويرى البعض أنه لا حاجة للمشاريع الإنتاجية الربحية أن تنضوي تحت قانون التشاركية مهما كان القطاع الذي تنتمي إليه، لأنه لا يوجد تضارب مصالح بين الطرفين العام والخاص في هذه المشاريع، لأن شراكة المشروع تخضع لقوانين التجارة والشركات والعمل والضرائب التي يخضع لها القطاع الخاص، وأن الهدف من قانون التشاركية هو تقديم حوافز للقطاع الخاص للاستثمار في مشاريع البنى التحتية، ولا يخفي البعض مع استمرار إنكاره بأن هدف التشاركية هو خصخصة القطاع العام على الطريقة المصرية، ولكنه يتحدث عن إصلاح القطاع العام الاقتصادي، حيث يعمل بقوانين السوق ويخضع لأنظمة ومعايير القطاع الخاص نفسها، لنصل إلى اليوم الذي يخرج القطاع العام من العملية الإنتاجية.
تحدث الخبير الاقتصادي د. عمار يوسف إلى جريدة البعث: أن قانون التشاركية في المرحلة الحالية التي تشهد انهيارات اقتصادية، وعدم ثبات سعر الصرف، وعدم وجود القطع الأجنبي، لا يمكن تطبيقه بأي شكل، وبأن الدولة ستكون هي الخاسر الأساس، وبَيَّن يوسف: أن القانون في الأساس جاء منفصلا عن الواقع، وخاصة في هذه المرحلة، فلا يوجد أي عامل جذب، مؤكداً: أن القانون ولد ميتاً وغير قابل للتطبيق، بدليل عدم تقدم أحد للاستفادة منه.
جاء قانون التشاركية متطابقاً مع القواعد الواردة في قانون الأونسترال النموذجي، والمعتمد من قبل الأمم المتحدة بشأن مشاريع البنية الأساسية والممولة من القطاع الخاص لعام 2004.
وصدر قانون التشاركية بالقانون رقم 5 لعام 2016 وقد عرّف القانون التشاركية: أنها علاقة تعاقدية لمدة زمنية محددة، ومتفق عليها بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص، والهدف من التشاركية هو: الحصول على التمويل الخاص للمشروعات الحكومية، مقابل حصول الشريك الخاص على امتياز في المشروع لفترة محددة تمكنه من الحصول على الربح.
التشاركية والدستور؟
مبدأ سمو الدستور يعني علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة، وأن أي قانون تصدره الدولة يجب ألّا يكون مخالفاً للدستور، وأنّ الدولة يجب أن تمارس عملها وتلتزم بصلاحياتها المحددة بالدستور لا تتجاوزها ولا تتقاعس عنها.
قانون التشاركية الذي أصدرته الحكومة، لا يتوافق والدستور لا نصاً ولا روحاً لتعارض أحكامه، والهدف منها مع ما نص عليه الدستور، وخصوصاً أن التشاركية تعني: تقاعس الدولة عن القيام بمهامها لمصلحة القطاع الخاص، وهذا ما يُعد من أهم الأسباب للطعن بعدم مشروعية السياسات الاقتصادية للحكومة، وللطعن بقانون التشاركية والمطالبة بإلغائه.
قانون التشاركية يخرق السيادة الوطنية، حين يعرف الشريك الخاص بأنه (أي شخص اعتباري أو ائتلاف أشخاص اعتبارية، محليةً كانت أم خارجيةً!). أي أن القانون سمح لجهات خارجية بتملك وإدارة واستثمار القطاع العام، وهذا يعتبر تسليم البلاد ومقدراتها لشركات أجنبية، وهذا يتعارض مع مبادئ الاستقلال والسيادة وحكم الشعب، التي نص عليها الدستور في مقدمته، التي تعد جزءاً من أحكامه لا يجوز مخالفتها.
تجاوز للصلاحيات الدستورية
تتعدى السلطة وتتجاوز صلاحياتها حين تقوم بالتفريط بالقطاع العام، فالدور الذي منحها إياه الدستور في المادة 14 منه نصت على ما يلي: (الثروات والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة، تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها).
كما نص الدستور في المادة 26 أثناء تعريفه للخدمة العامة على أن: (الخدمة العامة تكليف وشرف، غايتها تحقيق المصلحة العامة).
من نص المادة 14 يتضح أنه لا يحق لأية سلطة أو جهة التنازل عن ملكية أو تفويض أحد بإدارة المؤسسات والمرافق العامة، لأن الدولة فقط هي بذاتها مخولة بإدارتها وتسييرها لصالح مجموع الشعب، وبالتالي: لا تملك حق البيع أو التنازل أو التفويض للغير للقيام بهذه المهمة، والدستور حدد مهمة الدولة بالاستثمار والإشراف على إدارة المؤسسات العامة فقط دون حق التصرف.
كما أن وظيفة المؤسسات العامة والمرافق العامة حسب الدستور: تقديم خدمات عامة للجمهور، والسماح للقطاع الخاص بإدارة هذه المؤسسات وتلقي أجرٍ مقابل ذلك يُحوّل هدف تلك المؤسسات من تقديم خدمة عامة إلى سعيٍ نحو تحقيق الربح، وهو ما يزيل عنها صفة العمومية، ويفرغ القطاع العام من دوره الاقتصادي والاجتماعي، وينسف الغاية والهدف لوجود المؤسسات. والمرافق العامة، لأنها لم تعد تدار لصالح الشعب، ولم تعد تقدم خدمات عامةً، ولم تعد غايتها تحقيق المصلحة العامة.
كما نصت المادة 53 من قانون التشاركية على نقل ملكية الأصول إلى الجهة العامة المتعاقدة عند إنهاء العقد أو فسخه، ما لم تفضل إبقاءها لشركة المشروع أو للشريك الخاص...
ونصت المادة 69 أيضاً، أنه: إذا نص عقد التشاركية على تقديم أعمال أو إنشاء بنية تحتية لمشروع التشاركية يصبح للشريك الخاص الحق بالانتفاع في الملكية العقارية، تعادل حقوق التملك في أصول المشروع طيلة فترة المشروع. أي: إن هذا تنازل وبيع واضح للأملاك العامة، إلى الشريك الخاص، وليس كما يدعي البعض حين يفسر عقود الشراكة، بأنها: نقل للحيازة طيلة فترة العقد فقط، وليس نقل للملكية، فقانون التشاركية يتحدث بشكل صريح عن: تنازل عن ملكية الأصول طيلة فترة العقد التي تصل إلى عشرات السنين، فهذه مجرد خدعة قانونية للالتفاف على الدستور والشعب.
دعمٌ لمن لا يستحقه؟
نص قانون التشاركية على ضرورة تقديم الجهات العامة الدعم إلى الشريك الخاص إذا كانت الشروط الاقتصادية، أو التدفقات المالية لمشروع التشاركية لا تتيح له استرداد تكاليف الاستثمار والتشغيل، والتكاليف المالية، وتحقيق ربح خلال فترة المشروع، وتدرج المبالغ اللازمة لذلك في خطط الإنفاق العام، أي ربح المستثمر مضمون في موازنات الدولة، إذا لم يستطع تحقيق الربح من خلال مشروعه، وهذا طبعاً سيكون من جيوب المواطنين وعلى حسابهم. فإذا كانت الدولة ستقدم الإعانات المالية والعينية للمستثمر، وستضمن الربح له أيضاً عبر موازنتها المالية، ألا يعني هذا أنها تمتلك الموارد اللازمة لتمويل مشاريعها؟؟ وأن حججها التي تروجها لتبرير طرح التشاركية من نقص في الموارد الذي يفرض عليها اللجوء إلى الشراكة مع القطاع الخاص، لتمويل مشاريعها مجرد تضليل لتمرير مصالح قوى الفساد.
ازدياد الفقراء فقراً!
صدرت التعليمات التنفيذية لقانون التشاركية مؤخراً، وأخطر ما نصت عليه أنها سمحت للمستثمر بشراء وتحويل القطع الأجنبي عن طريق المؤسسات المالية المرخصة، أي: إن تمويل المشروعات سيكون من الاحتياطي النقدي في السوق المحلية، مع السماح للمستثمر بتحويلها إلى الخارج، والذي سينعكس بدوره على قيمة العملة المحلية، وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ولن يحقق أية قيمة مضافة، كما تحدث القانون عن الهدف من التشاركية، وهذا ما حصل في مصر عند قيام الشركة الأجنبية الموكل إليها إنشاء محطتي كهرباء سيدي كرير بموجب عقد B.O.T بالحصول على التمويل باقتراض مبلغ /400/ مليون دولار أمريكي من البنوك المصرية، وعدم جلب هذه الأموال من الخارج. وهو ما شكل عبئاً حقيقياً على سيولة النقد الأجنبي في السوق المصرفي المصري.
فإذا كانت الدولة ستمول كل شيء، وستقدم كل ما يلزم للمشروع، وسيتم استخدام النقد الأجنبي في السوق المحلية مع السماح بتحويلها إلى الخارج، وموازنة الدولة ستضمن للمستثمر أرباحه، فأين وظيفة القطاع الخاص؟ وأين التمويل الخاص والذاتي للمشروع كما تهدف التشاركية؟ وما هي المخاطر التي سيتحملها المستثمر؟ أم أن وظيفته جني الأرباح وتهريبها إلى الخارج فقط؟!
من أهداف التشاركية التي تحدث عنها المشرع: ضمان أن تكون الخدمات المقدمة قائمةً على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية، وأن تقدم بالأسلوب الأنسب، فقد لوحظ في العديد من البلدان عدم تقيد الشركات الاستثمارية بالمواصفات المعيارية والفنية عند إنشاء المشروع، بغية تحقيق أكبر قدر من الربح، فتقوم بتشييد المرفق بشكل مخالف للمواصفات المعيارية والفنية المتعارف عليها دولياً في إنشاء المرافق المماثلة. ثم تستعين هذه الشركات بمؤسسة أو خبير يقدم لها شهادة صلاحية تفيد التزامها بالمواصفات وذلك خلافاً للحقيقة والواقع.
التشاركية أو العدالة الاجتماعية!؟
تعارض التشاركية والسياسات الاقتصادية التي تسير بها الحكومة، ما نص عليه الدستور في المادة 13 منه فقرة 2 على أنه: (تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الرئيسة للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية....) وبالتالي، تعرض جميع أعمالها في هذا المجال إلى عيب عدم المشروعية لتعارضها مع روح وأحكام الدستور، فالتشاركية لم تحقق- في أي من البلدان التي طبقت فيها- العدالة الاجتماعية، ولم تحقق النمو الاقتصادي، ولم تلبِّ حاجات المجتمع الرئيسة، بل على العكس من ذلك تماماً، هي كانت سبباً رئيساً في تفشي الفقر وتدني مستوى المعيشة، وازدياد نسب البطالة، وتفشي ظاهرة الفساد وتراجع في معدلات النمو.
قانون التشاركية يعتبر قانوناً غير دستوري نصاً وروحاً، وبالتالي، ليس له أية قيمة قانونية، وهو معرض للإلغاء، لعيب عدم المشروعية، وواجبٌ على المواطنين الحفاظ على القطاع العام، ومؤسسات الدولة ومرافقها، وهذا حق وواجب دستوري. وهناك عدة طرق دستورية وقانونية، لتمويل المشاريع الحكومية، منها: مكافحة الفساد الكبير، والتهرب الضريبي مثلاً، دون الحاجة إلى التفريط بالقطاع العام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1001