العلاقة بين الحركة العمالية والقوى السياسية متبدلة
الأزمة بين الحركة العمالية والقوى السياسية ليست وليدة الظروف الحالية، أي: ظروف الأزمة الوطنية، بل هي تراكمية منذ عقود خلت، كان فيها مستوى الحريات السياسية والديمقراطية منخفضاً إلى حد بعيد، وما زال هذا الواقع مستمراً بأشكاله وألوانه المتعددة، الأمر الذي أدى إلى انكفاء الطرفين عن الفعل الحقيقي المؤدي إلى تطور تلك العلاقة، التي كانت نشطة في مراحل سابقة لعهد الوحدة بين سورية ومصر، لتأخذ شكل الاحتواء لهما أثناء الوحدة وما بعدها على أساس طيف واسع من الشعارات «الاشتراكية» التي غابت عن التداول في مرحلة تبني اقتصاد السوق، والسياسات الاقتصادية الليبرالية.
منتجون ولكن!
تعمق الفراق بين الحركتين أكثر فأكثر، مما جعل نتائجه كارثية على واقع الطبقة العاملة السورية، من حيث حقوقها الاقتصادية والديمقراطية النقابية، وهذا الواقع جعل قوى رأس المال «قوى السوق» تفرض- على الطبقة العاملة- شروطها من قوانين عمل ومستوى أجور تنتقص من مصالح العمال الحقيقية كمنتجين للثروة. وهو ما انعكس وبالاً عليهم وعائقاً أمام تحسن مستوى معيشتهم وحصولهم على بقية حقوقهم، لأن رأس المال محمي بينما حقوق العمال ليست محمية، وحتى تصبح كذلك فالأمور مرهونة بقدرة الطبقة العاملة على انتزاع الاعتراف من قبل القوى السياسية والنقابية باستقلاليتها ومن ضمنها حقها بالإضراب، كشكل من أشكال الحماية لتلك الحقوق، والتي مارسها العمال في أوقات سابقة، وكانت نتائجها إيجابية بالعموم.
استنتاج من الواقع
ما نود استنتاجه من التجربة التاريخية النضالية، أن الطبقة العاملة السورية كي تحقق مطالبها وتدافع عن مصالحها وحقها فيما تنتج من ثروة، لابدَّ من توفر عاملين أساسين، أولاً: الظرف الذاتي للحركة العمالية من حيث البرنامج والتنظيم والاستقلالية. وثانياً: الظرف الموضوعي المرتبط بوجود أحزاب تقدمية متبنية ومدافعة عن حقوق الطبقة العاملة تحمل برنامجاً واضحاً في مقابل برنامج قوى رأس المال، والشرطان متداخلان لا يمكن فصلهما لأنهما في النهاية يعبران عن موازين القوى الاجتماعية والسياسية، وهذا ما جعل النقابات تنجح في فرض قانون العمل في مراحل سابقة، رغم معارضة الكثيرين من أعضاء المجلس النيابي لإصدار مثل هذا القانون، وبالرغم من عدم تعبيره الكلي عن مصلحة العمال، ولكن العمال من خلاله استطاعوا انتزاع ما هو أساس في ذلك الوقت، وضمن الموازين السائدة أيضاً.
بين السياسي والنقابي
في العقود الأخيرة تبدلت اللوحة السياسية، وتبدل معها واقع الحركة النقابية والعمالية، بالرغم من الذي جرى من التغيرات الحاصلة على واقع الطبقة العاملة التي زاد عددها، وتوسعت وتنوعت الصناعات والتكنولوجيا والمدن الصناعية، ولكن لم تكن هناك تبدلات نوعية في العلاقة الكفاحية معها، لأسباب عدة، منها التوافق على اقتسام الكعكة النقابية، بما فيها الشكل المتبنى في الانتخابات التي حصرت العمل النقابي بقائمة واحدة يجري عبرها تقديم المرشحين للمقاعد النقابية، وعبرها أيضاً يتم تقسيم الحصص وبهذا تتشكل النقابات بمستوياتها التنظيمية المختلفة.
هذا الشكل من العمل كان له تأثيره على الطبقة العاملة، ولعب دوراً مهماً في انكفائها عن خوض معركتها، وابتعادها عن الانخراط في العمل السياسي والأحزاب السياسية، وأيضاً العمل النقابي، وإن كانت شكلاً منخرطة في النقابات بحكم القوانين بالنسبة لعمال قطاع الدولة، أم عمال القطاع الخاص، فلا ينطبق عليهم ما ينطبق على عمال قطاع الدولة بالرغم من أنهم- أي: عمال القطاع الخاص- يشكلون الوزن الأساس في تعداد الطبقة العاملة، ولكن وزنهم في النقابات غير ذلك، وهذا لا يغير من واقع الحال شيئاً، لأن الجوهر في العمل السياسي، والنقابي، وجود مستوى من الحريات العامة التي من ضمنها الحريات النقابية، والاستقلالية في القرار تمكن الطبقة العاملة من الدفاع عن مصالحها كطبقة لها وزنها وتأثيرها في مجرى الصراع الطبقي والسياسي الجاري من أجل عملية التغيير المطلوبة.
إن القوى المختلفة لم تحاول لأسباب متعلقة بتحالفاتها من لعب الدور المطلوب منها، والانخراط في الدفاع عن حقوق مختلف الطبقات المظلومة بفعل قوانين السوق، وقوى السوق التي يتطلب لمواجهتها برنامجاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، تقبل به الطبقة العاملة، وتقتنع بحامله قولاً وفعلاً من أجل التغيير الحقيقي المستحق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1000