صراع أم تعاون طبقي؟
لمّا كانت الحركة النقابية هي القوة الأولى التي من خلالها يدافع العمال عن مصالحهم المختلفة ضد الاستغلال، فما هي الطريقة التي تحقق هذه المصالح؟ هل هي عن طريق الصراع الطبقي أم التعاون الطبقي؟
الجواب بطبيعة الحال واضح، إذا ما عرفنا الفرق والتفاوت الكبير بين مصالح المستغَلين ومصالح المستغِلين. ليس بين مصالح وأساليب الهيمنة لرأس المال، ومصلحة الطبقة العاملة في التحرر منه، أيّ تعاون ممكن؟ وهذا لا ينفي أبداً رفض التفاوض من أجل تحسين ظروف وشروط العمل. لأن التفاوض يختلف عن سياسة التعاون الطبقي، التي تعني التهادن والتسليم لشروط ربّ العمل من أجل تسوية المشاكل بطريقة ودِّية في صالح ربّ العمل في قطاع الدولة أو القطاع الخاص على حد سواء، كما هو الشكل السائد تحت ما سمي «نحن والحكومة فريق عمل واحد» وشركاء في خندق واحد، وبالحوار، يمكن أن نحقق مصالح العمال. أما الدولة فهي من أجل الحفاظ على مصالح رأس المال، تقوم بمساعدته على تأمين مصالحه من خلال إعطائهِ المرونة، ومن خلال القوانين والتشريعات المختلفة. غالبية العمال لا يحصلون على الحد الأدنى الدستوري للأجر.
هذا الحق الذي يتهرب من تطبيقه أرباب العمل، وقد يكون ربّ العمل هذا قِطّاعاً خاصاً أو قِطّاع دولة. إنّ أكثر من 90% من طبقتنا العاملة تعيش في حالة من الفقر والمرض والجهل، وكأنها القدر المحتوم. حالة فرضتها عليها تلك السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، ومن جانب آخر كانت تقوم بإقرار زيادات شكلية في الحد الأدنى للأجور مع كثير من الدعاية والبهرجة، ليبقى هذا المطلب للطبقة العاملة غامضاً ومجالاً لتلاعب الحكومة وأرباب العمل فيه.
الحد الأدنى
إن الحد الأدنى للأجر اليوم هو أجر لا يكفي العامل حتى سد رمق الجوع والعطش، وبالطبع لا يستجيب لمتطلبات وحاجات العامل الأساسية في حدها الأدنى المقبول. لذلك لا بد من إعادة النظر في قيمته الأساسية، وهي القيمة التي تضمن للعامل تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم. وهذه مهمّة لا بدَّ أن تكون بالمقام الأول من اهتمامات النقابات في دورتها القادمة، من خلال مفاوضات مع الدولة وأرباب العمل. من أجل مواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار واجتثاث الفساد الذي ينهب العمال والدولة والمجتمع، إنَّ الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون مرتبطاً بالغلاء وارتفاع الأسعار، عبر تطبيق السلَّم المتحرك للأجور. ولكي تفرض الطبقة العاملة تطبيق حقّ تأمين وتحسين الحد الأدنى للأجور الذي يؤمن كافة احتياجاتها الأساسية والضرورية، ويحقق العيش الكريم، يتطلب هذا أن ترتقي إلى درجة طبقة لذاتها، تعرف مصالحها الخاصة والعامة وكيفية انتزاعها. وأحد شروط ذلك هي قوة وفعالية تنظيمها النقابي المستقل، ليكون البوصلة والمرشد للأغلبية الساحقة من العمال.
وإذا كانت تلك القوى الطبقية المشبعة بالفساد والنهب، لا ترى الطبقة العاملة طبقة اجتماعية ضرورية لتسيير المجتمع، نقول لهم: إنها في تزايد دائم، وموجودة أكثر فأكثر. لكنها منذ سنوات عديدة تفتقد مؤقتاً تلك النقابات القادرة على توحيدها وفي مساعدتها من جديد بالعمل الأساس الذي قام به نشطاء ومؤسسو الحركة النقابية. إنَّ تاريخ الطبقة العاملة السورية، بانتصاراتها وبهزائمها، علَّمنا أَّن الأمور قد تتغير بسرعة كبيرة. لقد بَيّنَ لنا أن تاريخاً من التفاني والنضال والتضامن يظهر لدى الطبقة العاملة، عندما تحيا من جديد على الوعي بمصالحها. لقد كان العمال السوريون ولا يزالون وطنيين، ولديهم القدرة والعزيمة للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، كما كان أسلافهم الذين انتزعوا بجهدهم وعرقهم وتضحياتهم ما كانت تُنكره عليهم البرجوازية الصاعدة، والعمال الآن سيمضون نحو الدفاع عن حقوقهم كما فعل أسلافهم، وهذا قانون موضوعي لا رادُّ له.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 999