هل حصلت مؤسسة التأمينات الاجتماعية ديونها؟
بعد ثلاث سنوات من نشر مقال عن ديون مؤسسة التأمينات الاجتماعية لا بد من تذكير المؤسسة بواجباتها نحو العمال، وعلى ضرورة تحصيل أموالهم، وهل استطاعت تحصيل تلك الأموال أم إن المؤسسة تتغافل عن تلك الديون وتتراخى في تحصيلها؟ فماذا فعلت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية خلال السنين الماضية لتحصيل أموال العمال؟
فمنذ سنوات لم تعد تنشر المؤسسة معلومات حول ديونها على القطاع العام والخاص، وهل استطاعت تحصيل تلك الديون أم لا؟ ولماذا لم تقدم على تحصيل تلك الأموال وفق قانون جباية الأموال العامة؟
حيث أتى في تصريح المدير العام للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يحيى أحمد عام 2017: «أن قيمة ديون المؤسسة على القطاع العام وصلت إلى 225 مليار ليرة، وعلى القطاع الخاص إلى 15 مليار ليرة وذلك حتى نهاية عام 2016».
من المفترض أن أموال المؤسسة هي أموال العمال والموظفين، وضمانة لمستقبلهم، ويجب على المؤسسة بالتالي استثمارها بهدف تأمين موارد مالية إضافية لها لتحسين المزايا والخدمات التي تقدمها للعمال، ضمانة لمستقبلهم ولتحسين مستوى معيشتهم عند الشيخوخة، وفي حالات أخرى، لا أن تتهاون المؤسسة في تحصيل ديونها، أو تشارك في مشروعات غير ذات قيمة وفائدة، أو يتم تعويض فاتورة فساد وخسارة بعض مؤسساتها من أموالها.
أين تذهب أموال العمال؟
السؤال: لماذا سُمِح بتراكم كل هذه المبالغ على القطاع العام؟ وكيف وصلت إلى هذه المبالغ الخيالية؟ وزارة المالية من جهتها لا تقوم بتسديد حصة صاحب العامل 14% كما يفرض عليها القانون، ولا تسدد حصة العامل 7% التي يتم خصمها من راتب العامل كل شهر بشكل يخالف قانون التأمينات، الذي أكّد على أنه يجب أن تقوم وزارة المالية أثناء إعداد الموازنة العامة برصد الاعتمادات اللازمة عن حصة صاحب العمل وتحويلها إلى حساب المؤسسة العامة للتأمينات شهرياً عن العاملين في الجهات العامة... وتتحمل وزارة المالية في حال عدم الالتزام بالتحويل- إضافة على الحصة المذكورة- الفوائد والمبالغ الإضافية المنصوص عليها في القانون.
الحكومة تبدَد أموال العمال
قانونياً، أعطى القانون الصلاحية الكاملة لمجلس الإدارة لتحصيل أموال المؤسسة حسب قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1952 الذي نصّ في الفقرة (ج) من المادة 72 على أنه: «تمارس المؤسسة الحقوق المخولة للسلطات المالية المختصة بموجب قانون جباية الأموال العامة لتحصيل المبالغ المترتبة لها، والمنصوص عليها في قانون التأمينات الاجتماعية وتعديلاته»، كما أن القانون سمح بتقسيط ديون المؤسسة خلال سنتين كحد أقصى ووفق الضمانات والشروط التي يصدر بها قرار من الوزير بناء على اقتراح مجلس الإدارة، ولديون المؤسسة حسب القانون حق الامتياز على جميع أموال المدين من عقار ومنقول.
ولكن الحكومة تنتهج طريق تبديد أموال المؤسسة، حيث تصدر كل سنة إعفاءات لأصحاب الأعمال المشتركين لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من الفوائد والمبالغ الإضافية المترتبة عليهم، والفئات المدينة كافةً للمؤسسة، كما حصل عام 2016 حسب القانون رقم 4 وهذا العام صدر أيضاً المرسوم رقم 15 لعام 2017 القاضي بتمديد العمل بأحكام القانون رقم 4 لعام 2016 حتى عام 2018.
إهمال وتراخٍ
الواضح، أن هناك تراخياً في تطبيق القانون من قبل مجلس إدارة التأمينات نفسه، والمخول بإدارة أموال المؤسسة والمحافظة عليها واستثمارها وملاحقة المدينين، وتحصيل أموالها، فوصول قيمة الدَّين إلى مبلغ 15 ملياراً ديناً على القطاع الخاص و225 ملياراً على القطاع العام، هذه الأرقام تظهر مدى الاستهتار في تطبيق القانون وضياع أموال العمال وحقوقهم، فحتى استثمار أموال المؤسسة لا يتم وفق ما نص عليه القانون، الذي أكد أنه على المؤسسة استثمار 50% من فائض أموالها في مجالات تضمن ريعية استثمارية استناداً لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع، وبما يضمن درجة أمان استثماري، ولكن حال المؤسسة والديون المترتبة عليها لا يبشران بالخير أبداً، بل المؤسسة وماليَّتُها في أسوأ أحوالها، وغالباً ما تتم الاستدانة من أموال المؤسسة من قبل الجهات العامة، والمخاطرة بأموالها دون أيةِ فائدة تعود على المؤسسة.
كل هذه الضمانات والصلاحيات القانونية ممنوحةٌ لمجلس الإدارة، إلا أن الديون الكبيرة للمؤسسة، تدل على أن المؤسسة مهملة لجهة المطالبة وتحصيل أموالها سواء من القطاع العام. أم الخاص، والاستثمارات التي تدخل بها المؤسسة لا تدر أرباحاً عليها، فإذا كانت الحكومة حريصة على إعادة أموالها من قروض متعثرة وعقارات الدولة المستثمرة، فالأولى بها أيضاً تحصيل أموال العمال، وملاحقة المدينين لمؤسسة التأمينات، وخاصة من القطاع الخاص، الذي راكم ثروات ضخمة على حساب العمال وقوتهم، وأن إعفاءهم من التسديد الكامل للاشتراكات التأمينية أو إعفاءهم من الفوائد المترتبة على الأموال التي لم يسددوها- حيث صدر بهذا الخصوص أكثر من قرار بالإعفاء من الفوائد في حال سدد القطاع الخاص ما يترتب عليه من اشتراكات العمال- إن هذا سيؤدي إلى خسارة المؤسسة وكذلك العمال، وربما إفلاسها مع الوقت، وإثراء لأصحاب العمل على حساب العمال وحقوقهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 997