النقابات بين العزلة والواقع
نبيل عكام نبيل عكام

النقابات بين العزلة والواقع

إن ما يجري في البلاد من غلاء كبير، واستشراس لقوى النهب والفساد ينبّئ بمخاطر اجتماعية وسياسية قد لا يحمد عقباها، وقضية تجميد الأجور للعاملين ازداد تأثيرها المباشر على حياة ملايين الناس الذين يعتمدون على رواتبهم بشكل أساس، وكذلك الإجراءات التي تتخذها الحكومة وتطبيق تقليص دعم الدولة عن مختلف المواد الأساسية والضرورية، ومحاولة خصخصة قطاعات الدولة المختلفة، بما فيها القطاعات السيادية، كالاتصالات وغيرها، وجعلها ملكاً لقوى النهب والفساد أو ممثليهم، وستزيد من الفقر والبطالة والشقاء لكل المواطنين السوريين، باستثناء هذه القوى الناهبة المتواجدة في جهاز الدولة وخارجه. 

إن العاملين الذين تعد أجورهم المورد الوحيد لعائلاتهم، يشكلون الغالبية العظمى من شرائح المجتمع، باتوا يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وهم في خطر شديد، وسياسات الحكومة التي نهبت موارد الدولة ولا تزال، تحاول اليوم أن تجعل منهم كبش فداء من أجل إرضاء قوى النهب، وأمراء الحرب، الذين يفرضون شروطهم المختلفة والمتعددة؟! 

هذا الواقع سوف يجلب الكوارث على الجميع، وما زال الطريق السليم للعاملين إلى اليوم هو أن تكون نقاباتهم إلى جانبهم، في ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة وعلى قوى الفساد الكبير، وذلك عن طريق عدم التهاون مع هذه القوى التي نهبت المليارات من ثروة البلاد وأرزاق العمال والعباد بحجة الحصار والحرب على البلاد.  

لقد تبين اليوم لجميع العاملين بأجر: أن هذه السياسات الاقتصادية التي سارت وفقها الحكومات المتعاقبة قبل انفجار الأزمة، وما زالت تسير عليها هذه الحكومات بعد انفجارها، فقط من أجل المحافظة على مصالح الفساد والنهب الكبيرين، والقوى الداعمة والراعية لها، أحد الأسباب الأساسية لما آلت إليه البلاد، والكفاح من أجل إنهاء الفساد والنهب الكبيرين، ويجب أن تسعى إليه النقابات العمالية وجماهير العمال والنقابات المهنية الأخرى من معلمين وطلاب وفلاحين وحرفيين، وجميع الراغبين بالخلاص من هذا الواقع المرير.

لقد انتهت مرحلة السكوت عن هذا الوضع السائد، واعتباره قدراً لا سبيل لرده لدى العاملين بأجر وكافة الكادحين. وهم بانتظار نقاباتهم لتحدد موقفها المعلن والصريح من المعتدين على حقوق العمال ومصالحهم. إن العديد من الحالات التي يعبر العاملين بأجر عن وضعهم ومصالحهم وآلامهم، مازالت بعيدة عن الحركة النقابية، وإذا بقيت كذلك سوف تجعل هذه الحركة معزولة عن قواعدها التي من المفترض أن تكون تمثلهم.

وهذه العزلة بين الطبقة العاملة والحركة النقابية هي إحدى ركائز استمرار سياسات الحكومة الاقتصادية المعادية لكافة الكادحين، حيث تعيش الطبقة العاملة واقعاً كما هو مرسوم من قبل هذه الحكومة، بينما النقابات تعمل على غض الطرف عن السياسات الحكومية تجاه كافة العاملين بأجر، وخاصة في القضية الكبرى، وأم القضايا التي أوجدت النقابات في كل العالم، وهي: الأجور، وتحسين الوضع المعيشي للعاملين بأجر بما يتناسب مع متطلبات الحياة اليومية.

فئات عريضة من المجتمع والطبقة العاملة لم يعد لديها ما تخسره، وهي الآن بين خيارين: إما الجوع، أو الجوع، وطريقه محفوفة بالمخاطر، نظراً لحجم الكارثة التي تعيشها الطبقة العاملة من فقر وشح لكافة مستلزمات الحياة الضرورية من خبز وغيرها، إنها معركة طبقية بامتياز من أجل مصالح وحقوق فعلية للطبقة العاملة الاقتصادية والاجتماعية لتلبية حاجاتها الأساسية. وهذا سيساهم بشكل أو بآخر في حل الأزمة الوطنية العميقة، وأن يقرر الشعب مصيره بنفسه وسيادة التامة على خياراته الاقتصادية والسياسية، من خلال الحل السياسي بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254.

لتحميل العدد 992 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
992
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين2/نوفمبر 2020 16:42