فقاعة الانفتاح..
لكل شعب من شعوب العالم ثقافة خاصة توارثها عبر الأجيال، ومن هذه الثقافات ثقافة الطعام، فكل مجموعة بشرية لها طريقتها بصنع الطعام والتفنن به، ولذلك تجد تسميات كـ المطبخ الفرنسي والمطبخ العربي والمطبخ الإيطالي، وما إلى هنالك من نماذج للطعام، ولكن مع سيادة النموذج الرأسمالي في العالم ومفهوم الاستهلاك السريع تم التسويق في جميع الدول التي انتهجت السياسات الاقتصادية الرأسمالية إلى نوع محدد من الطعام، وهو: الوجبات الجاهزة على الطريقة الأمريكية كـ البرغر والدجاج المقلي، واستيراد أنواع البيتزا الإيطالية وما إلى هنالك من أنواع، ومن الدول التي استوردت هذا النوع من الطعام سورية منذ التسعينات، وازداد الأمر أكثر وأكثر مع الترويج لليبرالية الجديدة والانفتاح المشوه الذي جرى، ونتيجةً لهذا الاستيراد تمت إزاحة الكثير من المطاعم التي تقدم الطعام التقليدي للسوريين، وتصدرت الواجهة آلاف المطاعم والمحلات الصغرى، التي تقدم هذا النوع من الطعام، فكثرت المطاعم التي تمثل ثقافة الاستهلاك بالعمق، وسابقاً كان رواد هذه المطاعم من الطبقتين الغنية والوسطى قبل أن تنحدرا تماماً، ومع ضخامة المطاعم التي افتتحت.
العاملون في المطاعم
العمال من أبناء الطبقة الفقيرة جاهزون لبيع قوة عملهم ليعملوا في المطاعم والفنادق الكبرى، ولتنتج أكثر، ولهذه المهنة العديد من الفروع والاختصاصات، ويختلف الأجر فيها بحسب الاختصاص، ولكن معاناة الجميع واحدة، فالعاملون في المطاعم حياتهم كلها مقيدة بحسب الضغط في المطعم، فهم يعملون بين الثماني ساعات كـ حد أدنى واثنتي عشرة ساعة، وليست لديهم عطل رسمية ثابتة، ومن يعمل بهذه المهنة هو حتماً محروم من الاستمتاع في الأعياد والمناسبات مع عائلته، ولذلك تجدهم مفتقدين لأبسط أشكال الحياة الاجتماعية، أضف إلى ذلك أن هؤلاء العمال لا يتمتعون بأي حق من حقوق الطبقة العاملة، لأن 99% منهم غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية، وغير مثبتين في أماكن عملهم، ولا يعملون وفق شروط أي عقد، وليست هناك أية جهة قادرة على حماية حقوقهم، ولذلك تجدهم دائماً في حالة صراع مع أصحاب المطاعم، ونتيجة لهذا الصراع تجدهم أيضاً بحالة تنقل بين مطعم وآخر، ومن النادر أن يستمر أحدهم في مطعم واحد لعدة سنوات، والكارثة الكبرى التي يقعون فيها، العمل الموسمي، فهذه المطاعم يكثر روادها في الصيف ولذلك مع بداية موسم الصيف تلهث المطاعم خلف العمال لتوظفهم وتستثمر طاقاتهم طوال موسم الصيف، وقبل أن ينتهي الموسم تكون قد فصلت الجل الأعظم منهم لتخفف على نفسها الأجور وتبقي فقط على العدد الكافي القادر على تسيير العمل خلال الشتاء، والجدير ذكره: أن هؤلاء العمال الذين يجري فصلهم يتم الاتفاق معهم أن العمل دائم، وليس موسمياً، ولذلك ترى أصحاب المطاعم يبتكرون المشاكل قبل نهاية الموسم للتخلص منهم، فيقعون طوال الشتاء في خندق البطالة.
الأرخص أجراً
ومن المشاكل التي يعاني منها أيضاً ممتهنو هذه المهنة، أن أرباب العمل دائماً ما يبحثون عن الأرخص أجراً، فعندما يعمل لديهم أحد الشيفية ويكون أجره عالياً، يحاولون أن يضعوا بين يديه شخصاً قادراً على التعلم ليتعلم منه المهنة بأسرع وقت حتى يستطيعوا التخلص من الأعلى أجراً، وإقناع من تعلم بأجر زهيد، أضف إلى ذلك أن أعداد العاطلين عن العمل والذين يمتهنون هذه المهنة كبيرة جداً، ولذلك تجد أصحاب المطاعم قادرين على استبدال عامل بعامل بمكالمة واحدة فقط، وبالشروط التي هم يجدونها مناسبة لجيوبهم، بالإضافة لذلك وجود كم كبير من النساء المعيلات لأبنائهن وأسرهن ممن يتم تشغيلهن بأجور زهيدة في المطاعم، وكذلك طلاب الجامعات من الجنسين، الذين يعملون لتغطية مصاريف دراستهم، ويتم تشغيل أيضاً الأطفال المتسربين من الدراسة، وهؤلاء أيضاً يتم ابتزازهم بقضية الأجر.
فقدان الحق بالمعونة
مع أزمة كورونا، وما تم من إجراءات اتخذتها الحكومة تفادياً للإصابة وانتشارها بين رواد المطاعم، تم إغلاق المطاعم والمنتزهات وغيرها من أماكن التجمعات، وهذا الإجراء قد أضرّ العمال العاملين في هذه الأماكن، وأصبحوا عاطلين عن العمل ولا معين لهم في مثل هذه الأوضاع الكارثية، لأن العمال في هذه المواقع يعملون بأجور يومية، ولا ضمانات لهم بسبب البطالة التي وقعوا فيها، مع أن الحكومة ابتدعت شكلاً لتقديم المعونة للعمال المتضررين جرّاء الإجراءات تلك ولكن تلك المعونات وصلت إلى عدد قليل من المتضررين، وبالأخص منهم من كان منتسباً لنقابة عمال السياحة، وهذا لا يشمل جلّ عمال المطاعم لأنهم غير منتسبين لنقابة عمال السياحة، وبالتالي فقدوا حقهم بالمعونة المفترض توزيعها من قبل وزارة العمل.
لا توجد بدائل للعمال
مشكلة عمال المطاعم مشكلة مزمنة وعمرها مديد، وهذا له علاقة بطبيعة المهنة التي هي موسمية في معظمها، ولا توجد بدائل للعمال كيما يعملون بها كبديل، ولا توجد صناديق لدى وزارة العمل أو النقابات لضمان البطالة التي يتعرض لها العمال عند انتهاء المواسم، وهذا ينطبق أيضاً على العمال الموسميين الذين يعملون في محالج القطن وغيرها من الأعمال الموسمية الزراعية، حيث نرى العمال يعملون في مواسم الزراعة وبعدها يتجمعون في ساحات المدن ليعملوا في العتالة وغيرها من الأعمال.
طرحت النقابات كثيراً في مؤتمراتها ضرورة إيجاد صناديق للضمان الاجتماعي تكفل للعمال حداً أدنى من المعونة، تساعدهم لحين إيجاد فرصة عمل أخرى، ولكن الحكومة أذن من طين وأذن من عجين، وبقي الواقع العمالي على ما هو دون إيجاد حلول حقيقية لمشكلة العمالة الموسمية، سواء للعاملين في القطاع الخاص أو العاملين في منشآت تابعة لقطاع الدولة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 987