نتائج الأحلام الليبرالية
صرح أحد الاقتصاديين الأمريكان عام 2015 أن الحلم الأمريكي بتحقيق الشهرة والمال أصبح أقرب إلى الخيال، واصفاً هذا الحلم بالأسطورة، وأضاف بقوله: إن الولايات المتحدة دخلت أعلى معدلاتها في عدم تساوي الأجور بين الموظفين، وأصبحت الأسوأ في تقديم فرص متساوية للتقدم في المسيرة الوظيفية، وأشار إلى أن فرص البعض بالتقدم بوظائفهم تعتمد بشكل أكبر على درجة تعليم آبائهم ودخلهم.
تأريض الأحلام
في سورية كثيراً ما تتكرر جملة (بهل بلد ما بصير الواحد إلا ما يكون حرامي أو ورثان ورثه) وهذه الجمله تعبّر عن انغلاق أفق الطموح لدى المواطن، فمع تسيّد مفاهيم الرأسمالية والملكية الخاصة، يطمح الجميع لبناء مشاريعهم الخاصة، أو تعلم مهنة تدر عليهم الأرباح، وهذا الحديث أستطيع القول عنه: إنه يأتي في المرحلة التي تسبق الغرق، ويبدأ الغرق في اليوم الأول للعمل، والذي يتشابه في المرحلة الأولى مع يومنا الأول في المدرسة، ففي الحالتين هناك شعور بالغبطه، ففي الأولى: هو الانفصال الأول عن الرعاية المباشرة للأسرة، وتحمّل جزء من المسؤولية الذاتية، وفي الثانية أيضاً، أي: العمل، نبدأ حياتنا العملية، ولدينا طموح بأننا سوف نلبي جميع احتياجاتنا ونساعد عوائلنا ونطمح لتحقيق أحلامنا، ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الغبطة مع الممارسة العملية للعمل، ويتم تأريض الأحلام تباعاً، فعلى سبيل المثال: يعتقد الشاب أنه يستطيع تنظيم وقته بين العمل والاستمتاع مع أصدقائه، ولكنه يتفاجأ أنه بدأ يغرق بتفاصيل العمل ومشاكله اليومية، وتتحول الغبطة إلى الشعور بأنه ضحية!!
لِمَ هو ضحية؟ لأنه وقع في فخ اختلاس المكاسب العمالية، وهذا الكلام ينطبق على كل الدول الرأسمالية، حيث يصل العامل فيها إلى الحالة نفسها، ولكن تختلف حالة الشعور بأنه مجني عليه حسب كم الضغط الذي يمارس ضده، وكم الحقوق التي تسلب منه، ويتحول من شخص طموح إلى شخص إما خائف من سطوة رب عمله أو إلى شخص يحاول الحصول على حقوقه في العمل، وهذه الحقوق المسلوبة دائماً ما تتمحور حول الأجر وساعات العمل وطبيعة العمل من حيث الخطورة، وهل هو مؤمّن عليه أم لا، وهل يستطيع أن يطالب بحقوقه، كل هذه الأمور يعلمها جيداً أرباب العمل قبل العمال ويعلمون جيداً ما لهم وما عليهم، ولذلك تجد دائماً في الأسواق والمعامل الخاصة والورش وما إلى هنالك من قطاعات عمل نوعين من القوانين: قانون العمل الرسمي وقانون أرباب العمل، القانون رقم 17والقانون الأساسي للعاملين، والجل الأعظم من طبقتنا العاملة لا يعلمون عن بنوده شيئاً، لأنه لم يتم تثقيفهم، ليحصلوا على حقوقهم وهذا الدور الذي من المفترض أن تلعبه النقابات العماليه بشكل مباشر في جميع القطاعات المهنية، أما قانون أرباب العمل أو الأعراف المهنية كما يتم تسويقها، والتي تخدم واضعيها فهي تُلقّن تلقيناً بأذن العامل مع بداية عمله، مع الكثير من الترهيب قبل الترغيب، ويتولى هذه المهمة من يتم تسميتهم اصطلاحاً بحثالة الطبقة العاملة، هؤلاء العمال الذين تجدهم في القطاعات كلها يعملون فقط لصالح رب العمل ضد مصالحهم ومصالح أقرانهم من العمال، ودائماً ما تكون مهمتهم نقل الأخبار وتشتيت العمال ودب الرعب في نفوسهم وتخويفهم من الفصل أو العقوبات المادية، ولذلك ترى العمال إما خانعين لأرباب عملهم خوفا من انقطاع الرزق، أو تجدهم يتنقلون من عمل إلى عمل طمعاً بحقوق أكثر ولكنهم دائماً ما يصطدمون بالجدار نفسه الذي يحمي أرباب العمل، وهنا لا أستثني قانون العمل الخاص بعمال القطاع الخاص رقم17، والذي قدم تسهيلات كبرى لأرباب العمل ليتمكنوا من وضع العامل في الزاوية.
الفهمان بريح؟
دائماً ما يردد أصحاب العمل هذه العبارة أمام عمالهم، لحثهم على بذل مجهود أكبر في العمل، ولكن ماذا إن فهم العامل حقوقه بشكل كامل وأصبح يطالب بها دون خوف! هل يبقى مريحاً؟ حتماً لا، وسوف يصبح مصدر إزعاج لهم، ولذلك لا بد من تثقيف الطبقة العامله لتعرف حقوقها أكثر، وكما يقول المثل: لا يموت حق وراءه مطالب، وحتى لا تموت هذه الحقوق وتفنى معها طبقتنا العاملة، يجب على النقابات العمالية إقامة فعاليات تثقيفيه للعمال في كل الميادين العمالية (قطاع عام خاص مشترك غير منظم)، لأن قاطرة النمو الحقيقية والقادرة على بناء هذا الوطن هي سواعد طبقتنا العاملة، وليست الجيوب الممتلئة بالأموال، والتي زادات من فقرنا وتهميشنا وأوصلتنا وأوصلت لبلاد إلى الهاوية تحت شعارات الانفتاح الاقتصادي، وقاطرة النمو، وما إلى هنالك من شعارات طنانه! على شاكلة الحلم الأمريكي الذي أثبت فشله في المركز الرئيس للرأسمالية بالعالم، وأثبت أنه الجحيم في كل الدول الرأسمالية الطرفيه في العالم، ومنها: سورية، والتي اغتنى الأغنياء فيها أكثر وأكثر على حساب فقرنا وشقائنا، ما نعانيه اليوم قاله الأمام علي عليه السلام قبل ألف وخمسمائة عام: (ما اغتنى غني إلا بفقر فقير) ونحن هذا حالنا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 986