مطالبنا تتحقق باستقلالية قرارنا نحن العمال؟
عادل ياسين عادل ياسين

مطالبنا تتحقق باستقلالية قرارنا نحن العمال؟

يشتد الوضع المعيشي تأزماً على العمال وعموم الفقراء، مع اشتداد درجة الاحتكار المرافقة بالغالب لتغيرات سعر الصرف الماراثونية، ومعها تتغير الأسعار أيضاً، ومع تغيُّر الأسعار تتغير أحوال الناس وأوضاعهم لجهة أنهم يعيدون النظر بمجمل أولوياتهم مما يحتاجونه من أساسيات تمكنهم من الاستمرار والبقاء.

الحكومة أمام هذا الواقع الذي ينذر بكوارث اجتماعية وإنسانية تدلي بدلوها الذي اعتاد عليه الناس، وهي تصريحات إعلامية مع بعض الوعود بالإجراءات الشكلية التي لا تغيِّر من واقع الحال الذي نعيشه شيئاً، وعلى سبيل المثال طرحت مؤخراً السلة الغذائية بقيمة عشرة آلاف ليرة سورية، وبعده تم طرح العديد من السلات بقروض على الأجور كحل من الحلول التي تفتق عنها الذهن الحكومي، وطرحت أيضاً نشرة يومية للأسعار، وتوعَّدت البائعين بأنها ستعاقب كل من يخالفها بإجراءات صارمة مع أن الذي يحدد الأسعار في الأسواق ليست تلك النشرة، بل من يطرحها في الأسواق ومن يجلبها من الخارج، وفقاً لسعر الصرف المتغيِّر.

السؤال هو: عند هبوط سعر الدولار بالنسبة لليرة هل تتغير معه الأسعار هبوطاً أم تبقى على حالها؟ التجارب التي مررنا بها تقول: إن الأسعار لا تتغير بحالة الهبوط وعند الصعود تصعد معه، والسبب في هذا أن الحكومة غير قادرة على التحكم والسيطرة على الأسواق وما يدور فيها، ويكون دورها مراقباً في أحسن الأحوال، والمتحكم الحقيقي هو من يستورد المواد ويسعرها ويوزعها، وبالتالي يحقق من الدورة المالية هذه الأرباح الكبيرة من جيوبنا وعلى حساب لقمة عيشنا.

النهب الكبيرة للثروة

إن التصريحات الميمونة المرافقة لجملة الإجراءات تلك من الحكومة وخبرائها، تعكس حجم المأزق الحكومي في إيجاد حلول حقيقية لتقدمها للشعب السوري من أجل تحسين مستوى معيشته، وإخراجه من دوامة العنف المعيشي المُطبقة عليه، والسبب المباشر للمأزق الكبير الذي تعيش فيه هو سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تسير بها، والتي استنفذت إمكاناتها جرَّاء عمليات النهب الكبيرة للثروة وتمركزها التي ينتجها أصحاب الأجور والفلاحون والحرفيون وغيرهم من الشرائح والطبقات التي تئِن اليوم تحت ضغط وضعها المعيشي، ليس هذا وحسب، بل إن البلَّ بدأ يصل إلى ذقونٍ أخرى، مثل: الصناعيين الذي يعبرون عن أوضاعهم الصناعية، وحجم العراقيل التي تضعها الحكومة في طريق إعادة تشغيل معاملهم ومنشآتهم، صغيرة كانت أم كبيرة.

في الزيادة الأخيرة للأجور، تمنت النقابات على الحكومة ألّا تأكل الأسعار تلك الزيادة التي اعتبرتها النقابات زيادة مجزية، واعتبرها الكثير من الاقتصاديين «الحكوميين» عبر تحليلاتهم الاقتصادية التي أدلوا بها على شاشات التلفزة المحلية تعبيراً عن قوة الاقتصاد السوري ومتانته، وهو أقوى اقتصاد بالنسبة للدول المجاورة، والآن مع البيان الحكومي للحكومة الجديدة جرت الإشارة إلى احتمال زيادة الأجور، فهبت الأسعار ولم ينل العمال الزيادة بعد، ولكن هؤلاء المحللون لم يكلّفوا أنفسهم عناء النزول إلى الشارع لمعرفة رأي أصحاب الأجور وغيرهم من الفقراء، ولو فعلوها لعرفوا أن تحليلاتهم التي أدلوا بها كم هي بعيدة عن الواقع الذي يعيشه أصحاب الأجور ومن في مقامهم.

حلول ترقيعية

إن أوضاع العمال ومستوى حياتهم المعيشي كحال فقراء شعبنا، التي يزداد فيها وضعهم المعيشي سوءاً ولا تحتاج إلى حلول ترقيعية لتغييرها، كما هو حاصل الآن، وتجربة النقابات والعمال مع الحكومة خلال الدورة الانتخابية التي انتهت تقول بعدم جدوى الوسائل المتبعة في الدفاع عن حقوق ومطالب العمال، وخاصة أجورهم التي تمت زيادتها مؤخراً، حيث تآكلت قبل أن يستلمها العمال، تلك الزيادة التي لا تؤمن للعمال تحسناً في معيشتهم بما يتناسب مع الأسعار الفاحشة التي سببتها السياسات الحكومية من خلال تخلِّيها عن مهامّها الدستورية في تسليم مفاتيح الاقتصاد، وخاصة القضايا الأساسية المرتبطة بالأمن الغذائي لمن لا هم لهم سوى تكديس المليارات على حساب فقراء الشعب والغلابة منه.
إذاً: التجربة تقول ذلك، فما العمل ونحن أمام مرحلة نقابية جديدة وأمام تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية مؤثرة من حيث نتائجها على مجمل الوضع الذي نعيشه؟

إنَّ الصراع الكبير مع قوى النهب والفساد يحتاج إلى موازين قوى مؤثرة، والطبقة العاملة قادرة على إيجاد تلك الموازين الضرورية لعملية التغيير المطلوبة، عبر العملية السياسية القادمة، إذا ما تم انتزاع حرياتها النقابية والسياسية، من أجل مستقبل سورية ومستقبلهم السياسي والاجتماعي، الذي لن يتحقَّق إلَّا عبر نموذج اقتصادي يحقق أعلى نسب نمو وأعمق عدالة اجتماعية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
986
آخر تعديل على الإثنين, 05 تشرين1/أكتوير 2020 17:36