معطلون عن الحياة؟
فادي نصري فادي نصري

معطلون عن الحياة؟

يتداول الناشطون السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي- مع كل تصريح حكومي حول معيشة المواطن السوري، والوعود التي تطلق حول تحسين الوضع المعاشي له والذي أصبح السواد الأعظم منهم تحت حافة الفقر- كلمة (أي شو عم تمننونا) ويأتي هذا التعبير من فطرية المواطن بأن له حق، ولا يحق لأحد انتزاعه منه أو تمنينه فيه، فإيماننا كمواطنين بأن المال العام هو ملك للجميع، ومن يديره ما هو إلاّ موظف من المفترض أنه مؤتمن على هذا المال، فمؤسسات الدولة هي ملك عام، ومعامل الدولة ملك عام، وللمواطن حق الانتفاع من هذا المال، والقوانين الدستورية والتي كفل فيها الدستور للمواطن بأن يعيش حياة كريمة.

إذاً فالمال العام ملك للمواطن وطريقة إدارته يجب أن تراعي مصالح الشعب، وضريبة سوء إدارة هذا المال أو التقصير فيها تستوجب عقوبة من أوكل المسؤولين قانونياً لحماية هذا المال، ولذلك لا منّية على عامل بأجر أو بمنحة أو بزيادة في حصته المعدومة أساساً من المال العام. حتى يحيا لم يبدأ الإنسان بتطوره في بناء المجتمع- ونفسه أيضاً- من فراغ، فعملية تطور الإنسان ارتكزت منذ الأطوار الأولى على تأمين أهم المتطلبات المعيشية، والتي تمثل كينونة وأساس وجوده، وهي تأمين:
1- المسكن.
2- الغذاء.
3 –الملبس.
4- العمل.
بهذه القواعد الأربع، استطاع الإنسان التطور حتى أوصلنا لما نحن عليه اليوم من تطور في شتى المجالات الطبية والهندسية والتكنولوجية، وأية عملية اسقاط لواحدة من هذه القواعد تعني حتماً: فقدان الأمان أولاً. وثانياً: إغلاقاً لباب التطور، كيف؟؟ نعم تستطيع أن تحول شخص منتج إلى شخص خائف وفاقد للأمان، عندما تضعه في ظروف العامل السوري، فالعامل في بلادنا لا يمتلك شيئاً من هذه القواعد، وإن امتلك واحدةً منها، قطعاً يفتقد الباقي.
لنبدأ بقواعد الحياة تدريجياً، وأولها: العمل، نسب البطالة في سورية مرتفعة جداً وليست هناك أية إحصائية دقيقة تحدد لنا نسب البطالة برقم صحيح، ولكن بنظرة سريعة إلى المعامل التي دمرت كلياً أو جزئياً بالمعنى المادي والاقتصادي، وآلاف الورشات التي أغلقت جراء السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي فتكت بهم، وتلتها والحرب لتقضي على ما تبقى، نستطيع أن نرى حجم المأساة، ومن يغوص أيضاً في عمق المجتمع السوري وفي مناطقه العشوائية، يستطيع أن يرى جيداً الكم الهائل من المعطلين عن العمل (قسراً)، وعلى الطرف الأخر، يوجد عمال يعملون وينتجون في القطاعين العام والخاص مقابل أجورهم، والتي لا تستطيع أن تؤمن لهم أية قاعدة من القواعد سالفة الذكر، فبأجر شهري قيمته 50,000 ليرة سورية، لا يستطيع العامل فيه أن يؤمن مسكناً أو ملبساً أو غذاءً، ومن يقبض أيضاً 150,000 ليرة لن يستطيع أيضاً تأمين واحدة منها! لماذا؟ لأن أجورهم تتطلب منهم سنوات طوال ليستطيعوا تأمين منزل في العشوائيات، وعلى سبيل المثال: منزل في إحدى عشوائيات مدينة دمشق وبمساحة 50 أو 60 متراً- يفتقد لأبسط الشروط الصحية- ثمنه بين خمسة عشر مليوناً وعشرين مليون يعني (بدك يا عامل ليصير عندك بيت) 300 شهر لا تأكل ولا تشرب! وإذا فكر امتلاك المنزل، وهو حلم يعلم العامل أنه لن يتحقق، وأجرة المنازل على أسعار اليوم تتراوح بين الـ 50,000 و150,000 ولذلك يلجأ الجل الأعظم من العاملين، للعمل عملين وثلاثة لتأمين أجر المنزل من أحد أجوره، فلنفترض أن أجره الثابت 50,000 ألفاً يضعها بالكامل، ويعيش على الإضافي، ومن كان منهم مترفاً وأجره 150,000 ألفاً يضع الخمسين ويصارع بالباقي، وهكذا نرى أن أهم قاعدتين من قواعد الحياة غير موجودتين لدى العامل السوري، تبقى قاعدتان، وهما: المأكل والملبس؟؟ جميعنا يعلم كم المعاناة التي يعيشها المواطن السوري جراء غلاء أسعار السلع الغذائية الأساسية، ولذلك لن نغوص في الأسعار ونقارنها مع الأجور، فهي واضحة جداً، أما بالنسبة للقاعدة الأخيرة، وهي اللباس، لنفترض كسوة صيفية لشهر واحد، ثمن الداخلي الواحد 7000 ثمن البلوزة 6000 ثمن البنطال 10,000 وثمن الجوارب 1000 وثمن الحذاء 12,000 وجميع هذه المنتجات جودتها 25‎%‎، المحصلة 23,000 ثمن طقم لباس واحد، والراتب بين 50 ألفاً و150 ألفاً، وهكذا تكون القاعدة الأخيرة للحياة قد أسقطت.

نحن (معطلون عن الحياة)

عودة للبداية، كما أسلفت سابقاً، أموال الدولة وشركاتها هي ملكية عامة وشرط التعامل بها قطعاً تكون بما ألزمه القانون والدستور السوري، بأن تتحقق للمواطن حياة كريمة، وهذه الحياة لا تعطى بشعارات الحماس والصمود، بل بتوزيع عادل للثروة، والعمل على إعادة تشغيل المعامل وتأهيلها من جديد، والحث على افتتاح قطاعات جديدة من الإنتاج، وأيضاً حثّ الرأسمال الخاص لافتتاح منشآت صناعية والابتعاد عن الاقتصاد الريعي، والذي لا تستفيد منه إلا قلة قليله من الشعب، وهذا حتما سيؤدي إلى اختفاء البطالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
981
آخر تعديل على الإثنين, 31 آب/أغسطس 2020 13:11