ما يطلبه العمال غير..
عادل ياسين عادل ياسين

ما يطلبه العمال غير..

جاء على صفحة الاتحاد العام لنقابات العمال «صوت عمالي» تحت عنوان ما يطلبه العمال، وهذا الطلب جاء قبل تشكل الوزرة الجديدة، حيث تم إرسال رسائل بصيغة تمنيات إلى الوزارة الجديدة، أن تلبي المطالب المطروحة من قبل صوت عمالي، ولكل وزير في وزارته، وهذا يعني أن الوزارات السابقة لم تلبِّ تلك المطالب التي هي مشروعة، وينص عليها قانون العمل الناظم لعلاقة عمال قطاع الدولة بالدولة، ولكن مع هذا كان التسويف هو دائماً سيد الموقف، مع أن أركان الحكومات السابقة التي تحضر اجتماعات المجلس كانت تعد باستمرار وتؤكد على طول الخط بأنها مع العمال بمطالبهم، بل وأكثر من ذلك فهم عمال مثلهم مثل الواقفين على خطوط الإنتاج ولهذا لا يحتاجون لتوصية من قبل الهيئات النقابية المختلفة بالطلب المتكرر منهم لتحقيق تلك المطالب، باعتبار الوزراء عمال ويأكلون مثل العمال، هكذا الدردري كان قد صرح في إحدى الجلسات بأنه يأكل فلافل مثله مثل العمال.

الفقر ليس طارئاً

جاء في مقدمة الطلب من الوزارة الجديدة، أن الآمال كبيرة بإيجاد حلول إسعافيه من الحكومة الجديدة، وهذه الحلول الإسعافية تعني في جوهرها أنها (مؤقتة) لمعالجة وضع طارئ، ونعتقد أن أوضاع العمال وما يعيشون به من فقر ليس طارئاً، بل هو مستمر وسيبقى طالما بقيت التشكيلة الرأسمالية المتوحشة، ولن يزول إلا بزوالها، أي بانتفاء الاستغلال والنهب وهذا لن تفيد معه الأمنيات الجميلة، ولا الترجي بتحقيق المطالب العمالية التي هي نفسها تُدوَّر في كل عام دون حلول حقيقية.

الحوافز الإنتاجية

جاء في الورقة، ومبررات طرحها، أن تحقيق المطالب الواردة ستحسن الوضع المعيشي للعمال، ولكن كيف لم تنبس الورقة ببنت شفة عن الطريقة التي ستتحقق بها المطالب، سوى أن الوزارة الجديدة والمأمول منها أن تحققها، والنقابات تعرف تمام المعرفة الوضع في المعامل والمنشآت الإنتاجية من حيث نسب تحقق الإنتاج التي من المفترض أن تؤدي إلى تأمين الحوافز الإنتاجية، فنسب الإنتاج متدنية في معظم المعامل العاملة حتى الان، وبهذا لا يمكن للعمال الحصول على حوافز إنتاجية تحسن أجورهم، وبالتالي تحسن مستوى معيشتهم، هذا جانب، والجانب الآخر تطالب الورقة بإعطاء العمال نسب من الأرباح، وهي مُقرّة بالقانون ولكن ليست هناك أرباح سوى في عدد من المعامل، قد تعد على أصابع اليد الواحدة، أي لن يغير هذا الأمر على أهميته لو تم تطبيقه شيئاً في حياة العمال.
تطالب الورقة «ما يطلبه العمال» الإفراج عن تعويضات الكوادر الطبية والوجبة الغذائية والحوافز الإنتاجية، والسؤال: لماذا يتم حجب تلك المطالب طوال الفترة الطويلة، مع أن الكوادر الطبية هي بوضع لا تحسد عليه، من حيث طبيعة عملهم المحفوفة بالمخاطر الكبيرة، وخاصة في ظروف جائحة كورونا.
بالنسبة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، المطلوب منها تفعيل نظم الحماية الاجتماعية بكافة أنواعها، ومنها: التعطل عن العمل.
إن هذا المطلب هو ضروري، ولكن لا نعتقد أنه مرتبط بموقف لوزارة العمل من حيث تفعيله أو عدم تفعيله، بل مرتبط بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الحكومة، والنموذج الاقتصادي المتبنى من قبلها وهذا النموذج قد خبرته الطبقة العاملة سواء المتعطلون منهم أو من يعملون في معاملهم، وخير دليل في أزمة كورونا، ونتيجة الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة ارتفع عدد العاطلين عن العمل أضعاف ما كانوا عليه، وقررت لهم معونة تعطل لمرة واحدة، ومن أخذوها هم القلة، وبقيت الأغلبية منهم تصارع الجوع بحثاً عن مصدر رزق آخر.
المطلب الأخر للورقة، هو تثبيت العمال المؤقتين، هذا المطلب الذي بحت فيه حناجر الكوادر العمالية وهي تطالب بتحقيقه، وعلى الأخص العمال المياومين وعمال البونات العاملين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وهم ليسوا قليلي العدد، وهو مطلب قديم، ومع هذا لم تستجب الحكومة لحله.
المطلب الإضافي، هو مطالبة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبط الأسعار، وهو مطلب محق لكل الناس بعد أن اكتووا بنار الأسعار والدولار، ولا نعتقد أن الحكومة ووزارتها بريئة مما يجري في الأسواق، وارتفاع الأسعار الجنوني فيها، بل هي مساهم أساس في هذا الوضع، بسبب تخليها عن دورها في موضوع التجارة الداخلية والخارجية، وسلمت المهمة لمن همهم الأساس مراكمة الثروات عبر نهبها بأشكال مختلفة، تكون نتيجتها المزيد من الجوع والمزيد من الفقر والعوز.
أكثر ما كان يحز في نفوس النقابيين هي موضوعة زيادة قيمة الوجبة الغذائية، التي يتم طرحها على الطالع والنازل، ولكن بدون فائدة يترجاها النقابيون من طرحهم لها، ومع هذا يتم كيل الوعود لهم بزيادتها ولا تزاد.
ما نود تأكيده بكل ما طرحناه حول الورقة، أن سقف المطالب التي تتقدم بها منخفضة ولا تتناسب مع حجم الكارثة التي يعيشها العمال، فالورقة لم تقترب من جذر الأزمة التي تعيشها الطبقة العاملة وشعبنا الفقير عموماً، ألا وهي قضية الأجور باعتبارها الرافعة الأساس التي ستمكن العمال من تحسين أوضاعهم المعيشية، وزيادة الأجور ليست على الطريقة الحكومية التي تدفع بيد لتأخذ أضعافها باليد الأخرى، ويصبح العمال في مهاوي الردى كما يقال.. زيادة الأجور المطلوبة هي المرتبطة بمستوى وسطي المعيشة وفق سلم متحرك للأجور، حسب التغير الحاصل في مستوى الأسعار، الذي يحتاج من النقابات والطبقة العاملة في مقدمتها لنضال حقيقي وعنيد في مواجهة آلة النهب الكبيرة والاستغلال، وليس إلى ترجٍّ وأمنيات، ولا نعتقد ضمن الواقع الحالي للنقابات والطبقة العاملة حدوث ما يجب حدوثه، إن لم يجرّ تغيير حقيقي من أجل أعمق عدالة، وأعلى مستوى نمو، أي: أن يحدث التغيير السياسي المطلوب الذي يجعل الطبقة العاملة تدافع عن مطالبها وتحققها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
981
آخر تعديل على الإثنين, 31 آب/أغسطس 2020 13:16