الصناعة بين حجري الرحى..

الصناعة بين حجري الرحى..

تتوالي تباعاً الأخبار الواردة عن الصحف المحلية حول الخطوات المزمع اتخاذها من قبل الحكومة لتنشيط القطاع الصناعي العام، كما جرى التعبير عن ذلك، وستناقش الحكومة الخطة الاستثمارية التي اقترحتها وزارة الصناعة من أجل تنشيط القطاع العام الصناعي للعام 2021 حيث أن المبلغ المراد استثماره وفقاً للخطط الاستثمارية لوزارة الصناعة هو 45 مليار ليرة سورية، موزع بنسب على المؤسسات الصناعية التابعة للوزارة، وهذا المبلغ المعلن ليس نهائياً من حيث الإقرار، ولكنه سيخضع لنقاش وأخذ ورد، والإقرار النهائي لمقدار الدعم من أجل تطوير القطاع الصناعي سيكون خاضعاً لاعتبارات عدة، تكون هي المقرر لمقدار الدعم المطلوب، وأهمها هل الحكومة بصدد تطوير القطاع الصناعي من حيث تأمين تشغيلٍ كاملٍ للمعامل القابلة للتطوير والتشغيل؟

تذبذب التيار الكهربائي

هذا السؤال يطرح العديد من الأسئلة الأخرى المرتبطة بسياسات الحكومة الاقتصادية وتوجهاتها نحو القطاعات الأخرى المكملة في دورها للقطاع الصناعي، مثل تأمين التغذية اللازمة لاستمرار العمل في الورديات دون انقطاع وتذبذب في التيار الكهربائي يؤدي لأعطال وخسارات في الإنتاج، هذا جانب، والجانب الأخر: هو تأمين قطع التبديل لخطوط الإنتاج التي تعاني من نقص في قطع التبديل بسبب مصادر الشراء لهذه الخطوط من مصادر غربية تمتنع عن السماح بإرسال القطع التبديلية، والجانب الثالث وهو الأهم في العملية الإنتاجية: هم العمال المشغلين لخطوط الإنتاج الذين هم في تناقص مستمر، من حيث الأعداد، وهذا ليس كلاماً، بل عبرت عنه وزارة الصناعة في كتاب إلى رئاسة مجلس الوزراء تطالبها باستكمال إجراءات سابقة للتوظيف معلن عنها في الوزارة لتعويض الانخفاض الكبير في عدد العاملين المقدر بـ 66 ألف عامل، وهذا الرقم ليس بالسهل تعويضه، كون العمال المتسربين لديهم الخبرة في العملية الإنتاجية، والخبرة في تقديم الصيانات اللازمة لكي تستمر الآلات في العمل، وقادرين على تشغيل المعامل بطاقتها الإنتاجية المطلوبة إن تأمنت لهم الشروط الاقتصادية، أي إنْ تأمنت لهم الأجور المجزية التي تمكنهم من تأمين حاجاتهم الضرورية التي يحتاجونها، وهي لا يمكن تأمينها بالأجور الحالية التي يتقاضاها العمال، بسبب عدم تناسبها مع ارتفاعات الأسعار الجنونية التي تشهدها الأسواق.

تعويض الاختصاص لخريجي المعاهد

قدمت الوزارة جملة من الاقتراحات لكي تشجع العمال على الإنتاج وهي: إعادة الالتزام بخريجي المعاهد المتوسطة التابعة لها لمدة خمس سنوات على الأقل، والسؤال لماذا خمس سنوات فقط؟ هل سيعاد تسريحهم بعد قضاء المدة المحددة؟ وعندها تخسر المعامل كادرها الفني والإنتاجي مرة أخرى.

إعادة منح تعويض الاختصاص لخريجي المعاهد المتوسطة والثانويات الفنية تشجيعاً لهذه الفئات التي تعتبر عصب العمل الفني والصناعي.

إن قصة العمال مع هذه التعويضات التي تطالب بها وزارة الصناعة قصة طويلة، أي منذ سنوات والنقابات تطالب بهذه التعويضات، ولكن لا حياة لمن تنادي! حتى اضطرت بعض مكاتب النقابات لرفع دعوى على الشركات للحصول على التعويض للخريجين، وهو حق لهم بالقانون، وبعض النقابات حصلت على ما تريد وبعضها لم تحصل وردت الدعوة مع أن القضاء نفسه الذي قدمت له الدعوة قبل بعضها ورد الأخرى!؟

اقتصاد السوق

واضح مما تقدم أن القطاع العام الصناعي يعيش في مأزق حقيقي، وكذلك القطاع الخاص الصناعي، وهذا المأزق الذي وضعت به الصناعة عموماً لم يكن وليد الأزمة الوطنية التي ما زلنا نعيش فصولها الكارثية، بل أُسس لهذا الوضع منذ عقود من الزمن، عبر تبني سياسة الانفتاح واقتصاد السوق الذي جعل الصناعة تغوص في مستنقع السياسات الليبرالية وقوى النهب الكبير التي همها الأساس كيف تراكم الثروات بغض النظر عن النتائج التي سيصاب بها الاقتصاد الوطني، وبالتالي مصالح الشعب السوري وحقه في ثروته التي ينتجها، والتي تسرق منه ليعيش في حالة عوز وفقر شديدين.

جذب العمالة وتشغيل الخريجين

إن مجمل الإجراءات التي تطالب بها وزارة الصناعة هي من حيث الشكل هامة وضرورية، ولكن من حيث قدرتها على جذب العمالة وتشغيل الخريجين فهي خطوة بائسة لن تقدم شيئاً في تطوير الصناعة، وقد سمع الناس الكثير من التصريحات والمقابلات من أجل تشغيل المعامل، وأهمية مثل هذه الخطوات، ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، ليعاد التأكيد مرة تلو المرة على أهمية المشاريع الصغيرة من أجل تنشيط الاقتصاد وتقليص حجم البطالة، ومع هذا بقي الأمر يراوح في مكانه ويتقدم في الأعلام فقط. وللعلم فإن تشغيل المعامل هي إمكانية واردة، ولكن ليست ضمن السياسات والمواقف التي تعتمدها الحكومة في عملية التشغيل، بل عبر تأمين الموارد الضرورية واللازمة من أجل تجديد خطوط الإنتاج التي أصبح عمرها أكثر من ثلاثة عقود، وفي سياسة أجريه تحقق للعمال كرامتهم في مستوى معيشتهم، وتمنع عنهم الوقوف على أبواب الجمعيات الخيرية للحصول على معونة قد تساعدهم في تأمين حاجاتهم، والعمال لهم مصلحة حقيقية في إعادة التشغيل، وفي تطوير المعامل، وهم قادرون على إنجاز ما هو مطلوب منهم وهناك الكثير من الشواهد التي قام العمال بها في ترميم الآلات وإعادة تشغيلها، وهي كانت تحت الركام، ولكن هل الحكومة قدمت ما هو مطلوب منها؟

الصناعة تعيش حالة اختناق وتحتاج لمن يخرجها من عنق الزجاجة التي وضعت فيها، ومن المؤكد ليست السياسات الحكومية من ستقوم بهذا الدور الكبير!

معلومات إضافية

العدد رقم:
980
آخر تعديل على الأربعاء, 26 آب/أغسطس 2020 14:43