الظرف الموضوعي جاهز

الظرف الموضوعي جاهز

الأزمة العميقة التي تشهدها الأوضاع العامة في البلاد، وفي المقدمة منها: انحدار مؤشرات الوضع الاقتصادي والاجتماعي نحو القاع، وتعمق تلك الأزمة مع تأخير الحل السياسي المفترض أن يمر عبر القرار الأممي رقم 2254، الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة.

أمام هذا الوضع المأساوي، توفرت ونضجت الشروط الموضوعية لإعادة العمل النقابي إلى مقدمة جدول أعمال الحركة النقابية العمالية. للتخلص من هذا الوضع المتردي الذي وصل إليه العمال المنتجون للثروة الوطنية، وكذلك التخلص من هذا الترهل الذي تعاني منه النقابات، وخاصة وجود الغالبية العظمى من العمال المنتجين للثروة خارج دائرة التنظيم النقابي، ومستوى متدنٍ من الحريات النقابية، الذي أدى إلى إبعاد الكثير من النقابيين الجديرين عن الحركة النقابية، وصعوبة وصول العمل النقابي إلى أوساط عمال القطاع الخاص.
حيث العمل النقابي في القطاع الخاص يختلف كثيراً عن العمل النقابي في قطاع الدولة، وقوانين تنظيم العمل بين القطاعين تختلف إلى حد ما، هذا بغض النظر عن شروط الاستغلال المتشابهة التي تمارس على العمال في كلا القطاعين. وبالتالي، إقناع العمال بالانخراط في النقابات، يتطلب التوجه نحو العمال والكادحين لضمان قربها وانتمائها الطبيعي للحركة النقابية في مواجهة العدو الحقيقي للطبقة العاملة، المتمثل بقوى النهب والفساد الكبير وضمان وحدة الحركة النقابية لأجل المطلب الأساس للطبقة العاملة، وهو القضاء على الاستغلال.
فالعمل النقابي كان وسيبقى أداة وسلاحاً للطبقة العاملة في صراعها ضد كافة أشكال الاستغلال وضد الاستبداد الطبقي. وهو شكل من أشكال المقاومة الجماعية ضد استغلال رأسمال، ومن أجل تحسين شروط وظروف العمل وتحقيق الحقوق والمصالح المشروعة في المواثيق الدولية والوطنية. والسؤال الأهم: هل الظرف الذاتي متوفر لدى الحركة النقابية والنقابيين؟
من الدارج في وسط العمل النقابي العديد من المغالطات في فهم وتفسير طبيعة النقابة ودورها ومهمتها الوظيفية، وذلك نتيجة التدخل من خارجها في شؤونها المختلفة، مما نتج عنه فهم مغلوط للدور والمهمة، فمفهوم النقابة العمالية يختلف عن مفهوم النقابة المهنية، وهما يختلفان عن مفهوم نقابة أصحاب العمل (المتمثلة في غرفة الصناعة غرفة التجارة)، فكل تنظيم نقابي له غاية وضرورة لوجوده، وله دوره الخاص لخدمة من يمثلهم.

عدم وضوح العمل النقابي

وكل هذه التنظيمات النقابية تختلف عن الإطار النقابي لدى أي تنظيم أو حزب سياسي، بحسب تصنفيها المهني وشروط عضويتها وبنيتها التنظيمية، والمرجعية التشريعية والقانونية التي تنظم عملها، وما يهمنا هنا العمل النقابي العمالي، إذ من الملاحظ عدم الوضوح لمفهوم العمل النقابي ووظيفته، فالكثير من النقابيين أحياناً يحدث التباس عندهم بين الدور والمهمة والأدوات ما بين النقابة العمالية، أو الإطار النقابي في تنظيم الحزب السياسي، وطبيعة عمل ووظيفة النقابة أو اتحاد العمال. فمثلاً: كيف للحركة النقابية أن تحقق ذلك الدور الفعال لتحقيق حقوق عمالها المختلفة من أجور وغيرها وهي لا تمتلك تلك الأدوات الضرورية لذلك من اعتصام وإضراب، مع العلم أن هذه الأدوات قد لحظها الدستور والمواثيق الدولية الموقع عليها من قبل الدولة. ونعود إلى السؤال مجدداً: هل الحركة النقابية ترى نضوج هذا الظرف الموضوعي الذي بين يديها وترى نضوجه بشكل واضح؟ وأنه عليها العمل لإنضاج ظرفها الذاتي لاستكمال مهامها اتجاه حقوق الطبقة العاملة.

استرجاع الثقة

لا تزال الحركة النقابية تشكل الأداة الضرورية والمناسبة للدفاع عن العمال. ولكن تبقى شروط النهوض بالعمل النقابي وتصحيح مساره قائمة. ولعل أهم مداخل استرجاع الثقة للعمل النقابي، تستوجب على النقابيين المقتنعين بالدور التاريخي للطبقة العاملة، العمل من أجل الارتقاء بوعي الطبقة العاملة، وتمكينها من أدواتها الحقيقية في صراعها ضد الاستغلال والنهب والفساد، وأن تكون النقابة مستقلة في كافة شؤونها، وتكون معبراً طبقياً واضحاً من أجل تحقيق الكرامة والمساواة للطبقة العاملة، إن أي عمل نقابي، محكوم بالفشل إذا لم يضع أمام هذه الطبقة العاملة آفاق خلاصها من كل هذه المظالم. التعمق وسط الطبقة العاملة واستقطاب العمال الأكثر وعياً والمؤمنين بالعمل النقابي من العمال والعاملات، وفرض حق التنظيم النقابي داخل القطاع الخاص.

معلومات إضافية

العدد رقم:
974
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 15:01