كيف عرف العمال ساعات العمل الثماني؟
في بلد من بلدان الشرق مثل: سورية مثلاً، يُجبر العمال في المصانع الخاصة على العمل 12 ساعة يومياً، وفق واقع مفروض يشبه واقع عمال العالم الذين عملوا بين 12-16 ساعة يومياً في القرن التاسع عشر، وقياساً على ذلك، تقف سورية اليوم في القرن التاسع عشر، متأخرة عن التطور 150 عاماً على الأقل.
وهذا الوضع لا يخص سورية فقط، ففي العشرات من بلدان العالم اليوم، حيث البلدان الطرفية التابعة للمراكز، تُجبر الرأسمالية عمال تلك البلدان بالعمل وفق قوانين القرن التاسع عشر، مثل: منع المنظمات النقابية وتجريم حق الإضراب وساعات العمل الـ 12-14 يومياً، وغير ذلك من الإجراءات القسرية للرأسمالية المغرقة في الرجعية والتخلف، مثل: حالة العمال الأجانب في بلدان الخليج.
قانون ساعات العمل العشر
بعد ظهور اتحاد الشيوعيين والبيان الشيوعي واندلاع ثورات 1848 في أوروبا، بدأت الطبقات العاملة تناضل من أجل جملة من المطالب، ومن بينها تحديد عدد ساعات العمل اليومية.
ونوه ماركس بأسباب هزيمة الطبقة العاملة في ثورات 1848، الهزيمة التي أوجدت الخمول المميز للحقبة الممتدة بين 1849-1859، ويعرض ماركس أيضاً المكاسب الزهيدة التي انتزعتها الطبقة العاملة في تلك الحقبة. ومنها: قانون تحديد يوم العمل بعشر ساعات. يُبين ماركس أن تخفيض يوم العمل بخلاف مزاعم أذناب الرأسمال لا يلحق الضرر بمرود العمل، بل على العكس يزيده، وأكد هذا القانون المذكور انتصار مبدأ تدخل الدولة في مضمار العلاقات الاقتصادية على المبدأ القديم القائم على المزاحمة.
وخلص ماركس إلى التأكيد- كما جاء في البيان الشيوعي- على حاجة الطبقة العاملة إلى إخضاع الإنتاج لرقابة المجتمع بكامله ولقيادته وتوجيهه، لأن مثل هذا الإنتاج الاجتماعي هو المبدأ الأساس للاقتصاد السياسي للطبقة العاملة. وعليه فإن قانون تحديد يوم العمل بعشر ساعات لم يكن مجرد نجاح عملي، بل كان أيضاً دليلاً على انتصار الاقتصاد السياسي للطبقة العاملة على الاقتصاد السياسي للبرجوازية.
ساعات العمل الثماني
تأسست الأممية الأولى «جمعية الشغيلة العالمية» في أيلول 1864، وكان لا بد من مواصلة السير من نقطة «قانون تحديد يوم العمل بعشر ساعات» إلى صياغة شعار جديد لنضال الطبقة العاملة فيما يخص تحديد ساعات يوم العمل.
بعد انتفاضة يناير 1863 في بولونيا، بدأ العمال الفرنسيون والإنكليز في مناقشة تطوير إستراتيجيات العمل، ومحاولة منع استيراد العمال الأجانب لكسر الإضرابات. في سبتمبر 1864، زار بعض المندوبين الفرنسيين لندن مرة أخرى بهدف إنشاء لجنة خاصة لتبادل المعلومات بشأن المسائل التي تهم العمال من جميع البلدان، وقرروا إعلان حملة تضامن مع مختلف نضالات التحرر حول العالم حينها.
تمت هذه العمليات التنسيقية الأولى وسط الانكماش الاقتصادي، ومحاولات أرباب العمل تأليب العمال الإنجليز والفرنسيين بعضهم على بعض، وأراد النقابيون على جانبي القناة مواجهة إستراتيجية «فرق تسد» البرجوازية.
المرأة العاملة
دعمت الأممية الأولى إضرابات العمال الكبرى، مثل: إضراب الخياطين في إنكلترا 1866، ووضعت إستراتيجية لمواجهة سياسة كسر الإضرابات التي تقوم على ضرب عمال بلد بعمال بلد آخر، وطالبت بتثبيت ساعات العمل الثماني، وأُدخلت المرأة العاملة ضمن قوام المجلس العام، وصيغت قرارات بشأن النضال الاقتصادي والإضراب عن العمل والحريات السياسية والنضال البرلماني ومناهضة العسكرة والحرب.
ومن جملة ما طالبت به الطبقة العاملة في تلك السنوات، تثبيت شعار النضال في سبيل ثماني ساعات عمل. وبدأ هذا الشعار يشق طريقه أكثر فأكثر إلى إضرابات العمال الكبرى حول العالم.
في الأول من أيار من عام 1886، نظم العمال في ساحة هايماركت في شيكاغو- ومن ثم في تورنتو- إضراباً عن العمل شارك فيه ما بين 350-400 ألف عامل، طالبوا فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع».
لم يَرُق الأمر للسلطات وأصحاب المعامل خصوصاً، وأن الدعوة للإضراب حققت نجاحاً جيداً، وشلت الحركة الاقتصادية في المدينة، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت عدداً من العمال، ثم ألقى مجهول قنبلة في وسط تجمع للشرطة أدى إلى مقتل 11 شخصاً بينهم 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال، وحُكم على 4 منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة.
لهذا لا أخاف الموت
وعند تنفيذ حكم الإعدام بالعمال الأربعة كانت زوجة أوغست سبايز أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام تقرأ خطاباً كتبه زوجها لابنه الصغير جيم: «ولدي الصغير عندما تكبر وتصبح شاباً وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنني بريء، وأموت من أجل قضية شريفة، ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكي قصته لأصدقائك». وقد ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة عندما اعترف أحد عناصر الشرطة بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.
تجاوزت قضية هايماركت أسوار أميركا، وبلغ صداها عمال العالم، وأحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية «الأممية الثانية» ذكراها في العاصمة الفرنسية باريس عام 1889، وتمت الدعوة لمظاهرات عالمية لإحياء ذكرى هايماركت عام 1890، وفي العام التالي اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثاً سنوياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 974