من تاريخ الحركة الإضرابية لعمال حلب
محرر الشؤون العمالية محرر الشؤون العمالية

من تاريخ الحركة الإضرابية لعمال حلب

نشأت الخلايا الشيوعية الأولى في أحياء السويقة والبكرجي على يد الشهيدين فرج الله الحلو وبيير شدارفيان منذ بداية ثلاثينات القرن العشرين، في فترة كانت الجماهير تعاني فيها من الفقر والبلاد واقعة تحت الاحتلال الاستعماري، وكان خان التتن ملتقى الرفاق الأوائل. ومن أبرز نشاطات تلك الفترة هي تأسيس النقابات الأولى، واندماج النضال الوطني بالنضال الطبقي والديمقراطي، وكان ذلك سمة عامة للحركة العمالية في جميع أنحاء سورية.

النشوء والتبلور 1925-1945

أسس الشيوعيون الأوائل العديد من النقابات العمالية في مدينة حلب بداية الثلاثينات، مثل: نقابات عمال النسيج الأغباني واليدوي، ونقابات عمال الطباعة وطبع الأقمشة والكوي والفتالة، ونقابة عمال الأحذية وغيرها، بالرغم من الصعوبات التي وضعتها سلطات الاستعمار الفرنسي أمام النقابيين الأوائل.
من أبرز إضرابات فترة العشرينات، إضراب عمال السكك الحديدية وعمال النسيج وعمال الأحذية. وحدثت إضرابات كبيرة في الثلاثينات، مثل: إضراب عمال الجلود وإضراب 10 آلاف سائق، والذي شمل عدة محافظات منها حلب، وإضراب 3000 من عمال النول العربي عام 1933 تحت شعار «الخبز للجياع» الذي كان أول انتصار سياسي كبير على الاستعمار في تلك الفترة. ومن أكبر المظاهرات هي مظاهرة الخبز التي سار فيها أطفال حلب ونساؤها مطالبين بالخبز، فتضامن معهم عمال المخابز وغيرهم، واستمر الإضراب أكثر من أسبوعين، وحسب تقديرات جريدة القبس شارك في الإضراب 50 ألف شخص.
وكان النشاط الوطني حاضراً خلال الإضرابات العمالية، مثل: مظاهرة لجنة عمال الأحذية في حي السويقة، وهي تهتف ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت تنتهي مثل هذه المظاهرات عند منزل القائد الوطني إبراهيم هنانو، كما لعب العمال الشيوعيون دوراً مهماً في تنظيم الجنازة الجماهيرية الكبرى لإبراهيم هنانو عام 1935 في حي الجميلية.

الصعود 1946-1957

بلغ النشاط العمالي أوجه في هذه الفترة عشية انتفاضة الجلاء، حيث تأسس مؤتمر العمال السوريين نهاية 1945 وضم في صفوفه 17 ألف عامل. وحدثت إضرابات كبيرة، مثل: إضراب السكك الحديدية عام 1946 الذي شمل كل المنطقة الشمالية وخاصة حلب.
وفي عهد الشيشكلي، نشطت الحركة العمالية في كل أنحاء البلاد احتجاجاً على الأوضاع السياسية مطالبة بحقوق العمال. مثل: مظاهرة عمال النسيج في حلب 1951 التي طالبت بعودة العمال المسرحين، وتضامن معهم عمال حمص وحماة واللاذقية، حيث فصل من العمل في حلب 5400 عامل ربيع 1950 وحده، وفي العام 1952 أضرب 2000 من عمال النسيج، وتضامن معهم العمال الزراعيون في الجزيرة وعمال الدهانات والباصات من أجل حقهم في تكوين النقابات. وفي العام 1953 أضرب عمال نسيج حلب من أجل زيادة الأجور والحد الأدنى لها 30 ليرة في الأسبوع ومنع التسريح التعسفي. وناضلت الحركة العمالية ضد الشركات الأجنبية مطالبة بتأميمها، فجرى تأميم شركات المياه والكهرباء. كما حدثت مظاهرات عمالية ضد استيراد البضائع الأجنبية في حمص وحلب ودمشق.
وفي العام 1954 أضرب 25 ألف من عمال النسيج في دمشق وحلب، وشارك عمال المهن الأخرى في إضرابات في نفس الفترة، وانتزع العمال قوانين مهمة بحيث توسعت حقوق عمال النسيج والأحذية والورشات الميكانيكية في دمشق وحلب. وشارك العمال في الحركة الشعبية التي مهدت لسقوط الشيشكلي عام 1954.
وفي نيسان 1954 أضرب عمال 19 شركة نسيج في حلب مطالبين بحقوق العمال، ورفعوا شعارات ضد الأحلاف الاستعمارية، وشكلت لجنة إضرابية توجهت بنداء إلى جميع العمال في سورية للتضامن معهم، فعقد عمال اللاذقية المؤتمر الأول لعمال المدينة استجابة للنداء. وكانت مطالب العمال تتمحور حول زيادة الأجور وساعات العمل الثماني والعطلة الإسبوعية ومنع التسريح التعسفي وتشكيل حكومة ديمقراطية.
وفي هذه الفترة انعقد المؤتمر الثامن لنقابات العمال في سورية برئاسة النقابي إبراهيم بكري على مدرج جامعة دمشق 1955 وحضره مندوبون يمثلون 200 اتحاد مهني في سورية، وسار العمال القادمون من كل سورية في تظاهرة أمام المؤتمر مؤكدين على حقوق العمال.
وفي عام 1956، حدث إضراب ضخم بمشاركة 15 ألف عامل في حلب لإلغاء المادة 243 التي تمنع النشاط السياسي للنقابيين، وأُطلق الرصاص على المظاهرة وسقط الجرحى والقتلى، وكانت النتيجة إلغاء هذه المادة التي تعود إلى عهد سابق بمساعدة نواب تقدميين.

التراجع 1958-2000

بدأ تراجع الحركة العمالية والنقابية في سورية بعد أن فقدت الحركة النقابية استقلاليتها تدريجياً منذ عام 1958، إذ ألغيت النقابات القائمة، وتأسست نقابات غير موجودة على قياس بعض الجهات، وزُورت الانتخابات لمنع النقابيين الشرفاء من الوصول إلى النقابات. وشهد العالم كله تراجعاً في الحركة العمالية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وحدثت في حلب إضرابات خلال مرحلة الوحدة احتجاجاً على تسريح العمال واعتقالهم، مثل: إضراب عمال الكهرباء احتجاجاً على اعتقال النقابي عمر سباعي عام 1959، كما حدثت إضرابات كبيرة لعمال النسيج في مختلف الفترات، ومنها: إضراب عام 1967 الشهير عندما نكلت الحكومة بالعمال. وكانت الحركة الإضرابية في تراجع مستمر، وإن حدثت إضرابات هنا وهناك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
967
آخر تعديل على السبت, 30 أيار 2020 13:07