عادل ياسين عادل ياسين

منظمة العمل الدولية.. دورها مشبوهٌ بين العمال وأرباب العمل

ترتكز منظمة العمل الدولية في عملها كما هو مطروح في وثائقها على مبدأ: «أن استقرار السلام في العمل عنصر لا غنى عنه لرخاء العالم» وهي تساعد الرجال والنساء في الحصول على عمل لائق ومثمر في جو من الحرية والمساواة والاطمئنان والكرامة الإنسانية.

الكلام المعبَّر عنه في تلك الوثائق شكلاً يمكن الاتفاق معه، ولكن الحقيقة عكس ما تطرحه وثائق المنظمة الأممية باعتبار أنّ رأس المال المهيمن على الاقتصاد والسياسة هو من يعمل وفقاً لمصالحه على قضية الحرب والسلام، وبالنسبة له هو خضوع الشعوب ومقدراتها لعملية النهب التي تُمركز ثروته أكثر، وتجعل الشعوب بحالة كارثية من الفقر والتخلف والجوع، وهذا الكلام المصدَّر لنا لا قيمة له أمام الواقع الذي تعيشه شعوب الجنوب، بما فيها دول الأطراف المحسوبة جغرافياً على القارة الأوروبية، فشعوبها تُعاني مثلنا.
عشرة مقاعد دائمة للدول المتقدمة
منظمة العمل الدولية التي تضم أطراف العملية الإنتاجية الثلاثة: «ممثلي الحكومات وممثلي أرباب العمل وممثلي العمال» ومن ضمنهم هناك عشرة مقاعد دائمة للدول المتقدمة أي: أنّ لهم ميزات لا يتمتع بها بقية الأعضاء بسب تحكمهم بالتمويل الذي تحتاجه المنظمة.
منظمة العمل الدولية في مؤتمراتها تحاول التوفيق بين مصالح من يملك ويقرر، وبين من لا يملك وليس بيده سلطة القرار، وهذا التوفيق المطلوب يمرّ عبر عدد كبير من الأفكار والمصطلحات التي توحي بأنها تحقق مصلحة العمال، مثل: مصطلح العمل اللائق، والحوار الاجتماعي، والمساواة، ودعم الحماية الاجتماعية، وغيرها من المفردات التي لم تُقدِّم للطبقة العاملة- أينما وجدت- سوى تلك المفردات، وبقي العمال يواجهون- دفاعاً عن حقوقهم المختلفة- وحيدين، وأحياناً كثيرة مقموعين من تلك الوفود الحاضرة للمؤتمرات باعتبارها تمثل الحكومات وأرباب العمل مجتمعين.
إن الواقع على الأرض يتغير من حيث الحراك الواسع الذي تشهده الطبقة العاملة على الصعيد العالمي، وفي الخصوص، في المراكز الإمبريالية، ومنها: أمريكا والقارة العجوز، وتطور هذا الحراك هو تعبير أيضاً عن التغيّر في موازين القوى، والتي تعني: انفتاح الأفق أمام الطبقة العاملة وعموم الفقراء من أجل انتزاع حقوقهم التي سلبتها منهم قوى رأس المال، وطليعة رأس المال المالي الإجرامي، وتعبيراً عن الضرورة الموضوعية لضرورة تغيير واقعهم، وكل ما تقوم به منظمة العمل الدولية من توجهات لن يُغير من واقع الحراك وتطوره الموضوعي، وما تقدمه من قرارات في معظمها تصبُّ في مصلحة القوى الرأسمالية الكبرى وأتباعهم المحليّين.

إنقاذ أرباحهم واستثماراتهم

لقد عمّقت جائحة كورونا التناقضات إلى حد كبير، وأظهرت الوجه البشع والاستغلال الاستثنائي الذي تعيشه الطبقة العاملة وعموم الفقراء في تلك المراكز الرئيسية والدول الأخرى التابعة لها، فكان الهمّ الأساسي لدى المراكز الرأسمالية ليس حياة البشر وإنقاذهم من الموت الذي أصبح عامّاً، بل الأساسي هو كيف السبيل لإنقاذ أرباحهم واستثماراتهم ومركزة ثرواتهم أكثر، ولا ضير إن مات المئات أو الآلاف وحتى الملايين من البشر لأن مالتوس من خلال نظريته التي يتبناها رأس المال المالي هي المحدد لسلوكهم الإجرامي.
إن أعداد المتقدمين بطلبات إعانة أصبح في أمريكا وأوروبا بالملايين وهم بازدياد، وكذلك العاطلين عن العمل، أو الذين يعملون بشكل جزئي أصبحوا بالملايين، ليتحول الوضع من الناحية الإنسانية إلى كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولن تجدي معها الحلول الترقيعية التي يلجؤون إليها في التقليل من أثار الكارثة العظمى المستفحلة.
إن منظمة العمل الدولية التي كان يهيمن على قراراتها دافعو الدعم لها، لم تستطع التأثير عليهم من حيث الدعم المفترض تقديمه للطبقة العاملة، وهذا طبيعي طالما أن من يهيمن عليها هم أنفسهم صانعو الكارثة الإنسانية، حيث كانت تعمل سابقاً على إقناع العمال بضرورة اللجوء إلى أساليب حضارية وسلمية من أجل فض الخلافات الناشئة مع أرباب العمل، ويتوافق معها ممثلو الحكومات، وإلى حد بعيد الكثير من ممثلي العمال في هذه المنظمة.
إن الحراك العمالي سيشهد تطوراً ملحوظاً في الفترة القادمة من تعمّق الأزمة الرأسمالية واشتداد الصراع بين رأس المال والعمل، وسيكون بعيداً عن هيمنة النقابات الصفراء التي خبرت دورها الطبقة العاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
967
آخر تعديل على السبت, 30 أيار 2020 13:10