كيف عرف السوريون الأول من أيار؟
محرر الشؤون العمالية محرر الشؤون العمالية

كيف عرف السوريون الأول من أيار؟

منذ عام 1907، وحتى إقراره عيداً رسمياً في سورية ولبنان نهاية خمسينات القرن العشرين، شقّت مفاهيم مثل: «الأول من أيار» و«عيد العمال» طريقاً شاقاً مليئاً بالتضحيات، حتى أصبح تقليداً عُمره أكثر من 100 عام.

بداية الطريق

في الأول من أيار 1907، احتفلت مجموعة من طلاب بيروت وعمال البستنة في انطلياس وعمال شركة المياه الإيطالية لأول مرة بعيد العمال العالمي. وكان ذلك ضمن الظروف السياسية التي بدأت في بداية القرن العشرين، حيث صعود الحركة الشعبية عالمياً وبدء الثورات العمالية في أوروبا وحركات التحرر الوطني في الشرق، ووثق الصحفي يوسف يزبك في كتابه «حكاية الأول من نوار في العالم وفي لبنان» المنشور في ثلاثينات القرن العشرين، بداية ذلك الطريق الشاق.
كما كان ذلك تأثراً بالثورة الروسية الأولى 1905-1907، والحركة العمالية العالمية عموماً، وتبع ذلك نشوء واحدة من أولى النقابات العمالية في سورية والشرق عام 1908 التي أسسها عمال خاضوا النضال منذ فترة أبكر. كما أصدر حلمي الفتياني جريدة «الاشتراكية» في دمشق عام 1912 متأثراً بالاشتراكيين المصريين وبالأجواء الوطنية العامة في الشرق، وقد أغلقت السلطات العثمانية جريدة الاشتراكية واضطر الفتياني إلى مغادرة دمشق.
كما عرفت الطبقة العاملة السورية حقّ الإضراب مبكراً، حيث أضرب عمال التبغ في اللاذقية عام 1899، وسمع السوريون لأول مرة بكلمة «البلاشفة» أثناء إضرابات عمال السكك الحديدية 1914-1917.

التنظيم أساس النجاح

بتأثير ثورة اكتوبر الاشتراكية، اشتد النضال الوطني والطبقي في سورية ولبنان، وفي الأول من أيار 1925 توجه حزب الشعب اللبناني «اسم الحزب لشيوعي في ذلك الوقت» بنداء إلى الكادحين دعاهم فيه للاحتفال بالأول من أيار عن طريق تنظيم المظاهرات والإضرابات التي شملت العديد من مدن سورية ولبنان أكبرها في بيروت، وصدر العدد الأول من جريدة «الإنسانية» مغطية اخبار الاحتفال، ثم أغلقت سلطات الاستعمار الجريدة الشيوعية الأولى بعد أسابيع عشية الثورة السورية الكبرى، وكانت الجريدة توزع بشكل واسع في سورية ولبنان وفلسطين والعراق ومصر. ولم تنقطع حركة الإضرابات العمالية أثناء الثورة السورية الكبرى 1925-1927.
تأسست العديد من النقابات العمالية في البلاد على يد الشيوعيين، مثل: نقابة التبغ في بكفيا، ونقابات المطابع والنسيج والسائقين وغيرها، وبين عامي 1933-1934 حدث 45 إضراب شارك فيه 50 ألف عامل، بينها 18 إضراباً من تنظيم الحزب الشيوعي، وكانت احتفالات الأول من أيار مُناسَبة للنضال ضد الاستعمار الفرنسي. وسقط العمال الشيوعيون شهداء أثناء الإضرابات، مثل: العامل أبو صطيف الذي استشهد برصاص الاستعمار أثناء إضراب عمال النول العربي في حلب 1933، والسائقان نمر الرموز وحبيب دياب أثناء إضراب السائقين في انطلياس 1934، والعاملة وردة بطرس أثناء إضراب عمال التبغ في بيروت 1946، والعامل أوسي رخيص أثناء إضراب العمال الزراعيين في القامشلي 1952.
في الأول من أيار 1945، وعشية انتفاضة الجلاء ضد الاستعمار، حدثت احتفالات كبيرة في أنحاء سورية ولبنان، وأشعل الشيوعيون على سفح جبل قاسيون شعلة نار كبيرة بهذه المناسبة.
وفي خمسينات القرن العشرين، كانت احتفالات عيد العمال العالمي تنطلق بشكل جماهيري، ففي القامشلي وسلقين، كانت مئات الجرارات والحصادات ترفع العلم الأحمر وتسير في المدينة في مسيرة عمالية تطالب بحقوق الطبقة العاملة السورية، وفي مدن أخرى عُلّقت الأعلام الحمراء على أعمدة الكهرباء، وأضرب العمال مطالبين بحقوقهم، واعتقل العديد من الشيوعيين أثناء الاحتفال. وفي تل أبو الندى في الجولان، والقرى الجبلية في حمص وطرطوس وعفرين، أشعل الشيوعيون النار في قمم الجبال احتفالاً.

تقاليد عيد العمال

في العام 1956 استطاع النائب الشيوعي خالد بكداش انتزاع قانون يرخص احتفالات الأول من أيار في سورية، وأصبح عيداً قانونياً منذ ذلك الوقت، أما في لبنان، فقد أقرت الحكومة احتفالات الأول من أيار عام 1959 بعد نضال طويل للشيوعيين والنقابيين.
وترسخت مفاهيم، مثل: «الأول من أيار» و«عيد العمال» في أذهان الناس بعد نضال طويل، وأصبح الاحتفال تقليداً شعبياً وعمالياً، ففي الجزيرة كان مئات الآلاف يلبون نداء الاحتفال بالأول من أيار في أحضان الطبيعة في احتفالات مركزية على مستوى المحافظة قرب بلدة عين ديوار على ضفاف نهر دجلة، وقرية مزكفت وسد الجوادية وسد المالكية وجبل كوكب في الحسكة في الثمانينات والتسعينات، وفي العام 1987، انطلقت خمس تظاهرات من أحياء الحسكة التقت أمام مبنى اتحاد العمال في تجمع جماهيري كبير انتهى بتوزيع بيان الحزب الشيوعي.
وفي الأول من أيار 2003، انطلقت تظاهرة شعبية عمالية في حي ركن الدين الدمشقي احتفالاً بعيد العمال وتضامناً مع القضية الفلسطينية. وبين سنوات 2006-2010، حدثت احتفالات جماهيرية في طرطوس والجزيرة وعفرين ودير الزور وغيرها من المدن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
963
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 12:20