82 عاماً عمر النقابات.. التقدم والتراجع
عادل ياسين عادل ياسين

82 عاماً عمر النقابات.. التقدم والتراجع

اكتنف نشوء النقابات في المراحل الأولى تعقيدات كبيرة بسبب تعقيدات الوضع السياسي الذي كان سائداً مع وجود الاحتلال الفرنسي، وما فرضه من قرارات قمعية على مجمل الشعب السوري والحركة الوطنية للحد من تأثيرها المباشر على وجوده الاحتلالي لبلدنا، أي أن تلك القرارات والممارسات كانت الغاية منها إطالة عمره الاستعماري في بلدنا، ولكن شعبنا العظيم تمكن من كسرها والإطاحة بها، وتابع مقاومته واستنهض قواه المختلفة بما فيها الطبقة العاملة السورية التي كانت جنينية في تكوينها التنظيمي. 

وهذا طبيعي كون العلاقات السائدة في تلك المرحلة هي العلاقات الزراعية والصناعة كانت هامشية متكونة من العمل الحرفي الذي كان سائداً في الصناعات النسيجية. بالأغلب بعدها بدأت تدخل العلاقات الرأسمالية تباعاً إلى الاقتصاد السوري بدخول الشركات الأجنبية ومعها بدأت الطبقة العاملة بالتكوّن والكبر في هذه التجمعات، وبدأ معها العمل من أجل أن تكون للعمال نقابات تدافع عن حقوقهم ومصالحهم، حيث جاء هذا التكوّن والتطور في عمل النقابات مع تطور النضال الوطني المقاوم الذي أخذ أشكالاً متعددة من الكفاح المسلح إلى العمل الجماهيري المباشر في الشارع، وهذا لعب دوراً مهماً في تكوّن وعي العمال المقاوم لاستغلالهم وهضم حقوقهم مما دفع العمل النقابي خطوات إلى الأمام لوجود عوامل إضافية ساعدت الطبقة العاملة في بلورة مواقفها، وهو الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي السوري من حيث القيادة المباشرة لنضال العمال أو مساعدتهم في صياغة برنامجهم السياسي والاقتصادي والنقابي الذي جرت على أساسه التعبئة والتنظيم المطلوبين في تلك المرحلة.
حققت الطبقة العاملة ضمن الشروط التي فرضتها العديد من المكاسب في الحقوق والمطالب وعلى رأسها حقها الشرعي في أن تمثل مصالح الطبقة العاملة وتدافع عنها بكل الوسائل، بالرغم من آلة القمع ومحاولة الاحتواء التي كانت تمارسها بعض القوى.
التخوم السياسية والحقوق الديمقراطية كانت واضحة بين الطبقة العاملة وحركتها النقابية وبين أعدائها الطبقيين المرتبطين بهذا الشكل أو ذاك بقوى المستعمر الفرنسي وأدواته المحليين، لهذا كانت مطالب العمال واضحة وحراكهم من أجلها واضحاً بالرغم من الصعوبات العديدة التي كانت تواجه حراكهم الإضرابي على الأرض.
1938 تم الإعلان عن اتحاد عمالي موحد يقود نضال الطبقة العاملة في مختلف العهود السياسية لما قبل الوحدة السورية المصرية، حيث فرضت على الطبقة العاملة وحركتها النقابية مسارات أخرى لعبت دوراً مهماً في تغيير شكل نضالها المرتبط عملياً بعملية الاحتواء التي جرت من خلال فرض النموذج المصري في العمل النقابي المستند إلى عقلية الحزب الواحد في قيادة العمل النقابي، وهذا أفقد الحركة النقابية خيرة مناضليها المجربين في الدفاع عن حقوق ومطالب الطبقة العاملة، وتم ذلك العمل بالإعلان عن التوجهات (الاشتراكية) وأن المعامل للعمال وغيرها من الشعارات التي كانت سائدة إلى وقت قريب، التي استمرت معها عملية التغيير الممنهج لواقع الطبقة العاملة التنظيمي والنضالي في الدفاع عن مصالحها وحقوقها التي أخذت تتأكل بسبب السياسات الاقتصادية التي تمّ تبنيها، وطالما تمّ التبني لتلك السياسات فإن التغيير سيطال كل ما هو معيق لتطبيق تلك السياسات.
في البيان الذي أصدره الاتحاد العام لنقابات العمال بمناسبة ذكرى التأسيس أشاد بدور الطبقة العاملة التاريخي في المراحل المختلفة من أجل عملية البناء، وكذلك أوضح موقفه من أن النقابات ستتصدى لأي توجه يمسّ قطاع الدولة، وستسعى النقابات لتطويره وتحسين أدائه، وهذا الموقف جيد من حيث المبدأ. ولكن السؤال الذي يطرح، وهو: كيف سيتم ذلك وما هي الأدوات التي يمتلكها من عملية المواجهة تلك؟ وهل الشراكة مع الحكومة هي إحدى تلك الأدوات التي سيتم الاعتماد عليها في الدفاع عن قطاع الدولة؟.
تجربة النقابات خلال العقود الفائتة تقول: إن السياسات التي تمّ تبنيها من الحكومات المتعاقبة والمستندة لتبني اقتصاد السوق وعلاقاته المتوحشة تجاه حقوق ومطالب فقراء الشعب السوري، تلك التجربة تقول: إن النقابات لم تكن تقدر على لعب دور المواجهه لتلك السياسات رغم النّيّات التي تسود بعدم الرضا عنها، ولكن المواجهة المستندة إلى العلاقة التشاركية مع الحكومة وسياساتها لم تؤدِ سوى إلى إنهاك الشركات والمؤسسات وتجريدها من أسباب تطورها المفترض، وأن الفساد المستشري في مفاصلها لن ينهيه كل ما يقال عن مكافحة الفساد اللفظية التي تطلقها الحكومة بين الفينة والأخرى، ومكافحة الفساد الكبير الذي قدر قبل الأزمة بما يتجاوز 30% من الدخل الوطني، وهذا رقم ليس بالهيّن لبلد مثل بلدنا موارده محدودة. ومن المفترض أن تسخر جميعها باتجاه تأمين حاجات الشعب السوري، بما فيها تطوير الاقتصاد الحقيقي الصناعي والزراعي وكذلك الحاجات المعيشية والتعليمية والسكن والصحة وغيرها من قضايا تعرفها النقابات ويعرفها القاصي والداني، وهذه من المعارك الكبرى التي لابد أن تُخاض من أجل أن نرتقي إلى مستوى تضحيات شعبنا وما عاناه وما يعانيه الآن بسبب الأزمة الوطنية، التي كانت إحدى مسبباتها تلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
إن الطبقة العاملة السورية واعية لمصالحها وحقوقها، وستعرف كيف تدافع عنها بكل الأشكال التي خبرتها من تجاربها القديمة والتي ستبدعها في نضالها الحالي.
تحية إلى الطبقة العاملة السورية في عامها الجديد، وتحية إلى كل الكوادر النقابية الصادة للرياح العاتية القادمة من صوب قوى الفساد الكبير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
958