عمالة الأطفال بين القانون والواقع
أديب خالد أديب خالد

عمالة الأطفال بين القانون والواقع

نتيجة للسياسات الاقتصادية الليبرالية التي طبقت في البلاد منذ مطلع الألفية والتي ما زالت مستمرة حتى الآن، والتي أوصلت آلاف الأُسر إلى حافة الجوع، ولم يعد دخل أو اثنان كافيين لتأمين أبسط مقومات الحياة وتحول العديد من الأطفال إلى سوق العمل تاركين مدارسهم وأحلامهم الصغيرة ليحملوا عناء تأمين لقمة الخبز لأسرهم، عدا عمّا سببته الحرب من نزوح وفقدان المعيل، ووجد بعض الأطفال أنفسهم في موقع المسؤولية وتحمُّل أعباء الحياة.

إضافة إلى استغلال أرباب العمل لهذه الظروف وتشغيل الأطفال بأبشع الظروف وبأبخس الأجور إضافة إلى غياب المحاسبة من قبل السلطات المعنية لأرباب العمل على مخالفتهم لأحكام قانون العمل رقم 17 لعام 2010.
فهناك المئات من الأطفال ممن يعملون تحت سن الخامسة عشرة بشكل مخالفٍ للقانون، وفي أعمال لا تقوى عليها أجسادهم، فمن العتالة في سوق الهال إلى إشارات المرور وبيع الدخان والخبز، إلى عمال نظافة في البلديات!!

عمالة الأطفال في القطاع العام

مجلس مدنية التل على سبيل المثال لا الحصر يُشغِّل عبر متعهده الأطفال الصغار بين 10 أعوام و11 عاماً و12 عاماً إضافة إلى تشغيل النساء وكبار السن في أعمال النظافة وجر العربات والمكنسة بمبلغ 1000 أو 1500 ليرة فقط في اليوم، في ظروف الطقس القاسية صيفاً وشتاء، وقد أثيرت هذه القضية من قبل أحد الناشطين في المدينة، وقام المتعهد بفصل هؤلاء الأطفال من عملهم فور انتشار الموضوع في الرأي العام.

قانونياً

صدر عام 2002 المرسوم الجمهوري رقم 379 الذي انضمت بموجبه سورية إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل الذي يمنع منعاً باتاً تشغيل الأطفال تحت سن 15 ويضع ضوابط محددة وواضحة على تشغيل الأطفال بين سن 15 و 18 سنة.
قانون العمل رقم 17 لعام 2010 نص في المادة 113 منه على أنه: يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من عمرهم أيهما أكبر.

الواقع أقوى من القوانين

لكن يبقى الواقع الاقتصادي أقوى من القوانين مهما كانت مثالية، فظروف العائلات التي دفعت أطفالها إلى العمل تتحمل مسؤولياتها الحكومة عبر سياساتها الاقتصادية التي أفقرتهم وأجبرت أطفالهم على ترك مدارسهم والتوجه نحو سوق العمل، هذه هي أسباب عمالة الأطفال التي لم يلحظ أسبابها الجوهرية أحد، بل يبقى الموضوع بالنسبة للبعض مجرد حالة خاصة كما تحدث معاون وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الذي قال لبرنامج الحق على إذاعة هوا آرابيسك إنه لا علم للوزارة بقضية تشغيل الأطفال من قبل (بلدية التل) وفور وصول تقرير هذه الحالة للوزارة سيتم التواصل مع وزارة الإدارة المحلية ومحافظة ريف دمشق للنظر فيها، واستطرد قائلاً إننا نحن هنا أمام حالة خاصة في ظاهرة تشغيل الأطفال من قبل جهة عامة وهي بلدية التل، ولكن هذه الحالة ليست خاصة فمعظم المتعهدين مع البلديات يشغلون الأطفال والنساء وكبار السن في أعمال النظافة وتحت نظر البلديات وخاصة في منطقة الغوطة الشرقية، ومع أنّ عملهم ليس سراً على أحد سوى على بعض وزارات الدولة، حيث ينتشر العشرات من الأطفال في مكب قمامة باب شرقي ولم تلحظهم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وما زالت تدَّعي أنها حالة خاصة!!.
ناهيك عن تستر رؤساء البلديات عن تشغيل الأطفال، وعن الاستغلال وظروف العمل القاسية التي يعملون بها.
طبعاً المشكلة لا تكمن في منع تشغيل الأطفال، ولا في تطبيق نصوص القانون التي تحرم تشغيل الأطفال، بل في مراجعة السياسات الاقتصادية التي أجبرت الأسر على تشغيل أبنائهم ومنعهم من تكملة تعليمهم، هذه السياسات التي أفقرت العباد هي التي حرمت الأطفال من الطفولة وحوّلتهم إلى أرباب أسر مسؤولين عن إطعام أسرهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
958
آخر تعديل على الإثنين, 23 آذار/مارس 2020 13:22