عمال القطاع الخاص...هل يمكن تغيير واقعهم؟
عادل ياسين عادل ياسين

عمال القطاع الخاص...هل يمكن تغيير واقعهم؟

العمل النقابي يتجه بمعظمه منذ عقود نحو عمال قطاع الدولة، الذين ازداد عددهم مع فورة التأميمات التي جرت في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، وكذلك مع أموال المساعدات التي كانت ترد في السبعينات وجملة المشاريع الإنتاجية والخدمية المنشأة بعد تلك المرحلة.

مع ورود المساعدات الضخمة بعد حرب تشرين، أخذ العمل النقابي يركز جهوده بهذه القطاعات لاعتبارات كثيرة، منها ما هو سياسي والآخر المتعلق بالوزن الفعلي للطبقة العاملة في قطاع الدولة، الذي تضخَّم بشكل كبير، بينما الشق الآخر، القطاع الخاص، لم يكن له وزن حقيقي من حيث عدد المنشآت وعدد العمال، أي: كان هامشياً إلى حين صدور قانون الاستثمار في التسعينات، وبدأ القطاع الخاص الاستثمار الفعلي في جوانب اقتصادية متنوعة، أي: بدأ مركز الثقل يتحول شيئاً فشيئاً بهذا الاتجاه، ولكن مع هذا التحول لم تتمكن النقابات من رؤية ذاك الجديد الجاري في واقع عمال القطاع الخاص، من حيث العدد والتوصيف المهني ومستوى التعليم والاختصاصات الجديدة مع الصناعات الجديدة، خاصة في المدن الصناعية التي تضم بين جنباتها العديد من الصناعات الحديثة، التي تتطلب عمالاً ومهندسين يديرونها على مستوى من الخبرة والكفاءة ويقدر عددهم بهذه المدن الصناعية بعشرات الألوف.
تفاقمت مشكلة عمال القطاع الخاص مع اشتداد الهجوم على حقوقهم وتغييب مطالبهم بصدور قانون العمل رقم 17 لعام 2010، هذا القانون الذي صدر برغم التحفظات على الكثير من مواده من قبل النقابات، ولكنه صدر بالصيغة التي طرحها ممثلو الليبرالية الاقتصادية في الحكومة، وهو معبر من الناحية القانونية، وبالتالي السياسية والاقتصادية، عن أعمق المصالح للقوى الرأسمالية العاملة في الاقتصاد السوري، سواء في جهاز الدولة أو خارجها.

خطوات لا بد منها

يزداد واقع عمال القطاع الخاص سوءاً، ومع هذا لم يجر داخل النقابات عمل جدي باتجاه هذا الواقع المأساوي المعاش، بالرغم من التأكيد في المؤتمرات والاجتماعات النقابية على أهمية العمل مع عمال القطاع الخاص، وتم تشكيل لجان في اتحادات المحافظات، والقيام بزيارات لبعض المواقع الإنتاجية الخاصة، من أجل شدّ العمال إلى المظلة النقابية، ولكن هناك ممانعة ضمنية من داخل الحركة النقابية- تتعلق بالخبرة والتجربة للعمل بهذا القطاع- ومن خارجها، وهو الأمر المتعلق بأرباب العمل وضغوطهم من أجل إعاقة أي عمل جدي يتكون داخل منشآتهم الإنتاجية بسبب تخوفهم من احتمالات أن يتحرك العمال من أجل مطالبهم وحقوقهم.
التوجه الفعلي بهذا الخصوص كان يتطلب موقفاً سياسياً وطبقياً من القيادة النقابية، وخبرة ودراية ومعرفة علمية بهذا الواقع، مع مجموعة من الخطوات التي تقنَّع العمال بأهمية انتسابهم للنقابات وبأنها تمثل مصالحهم، ويأتي في مقدمتها حقهم في الدفاع عن حقوقهم دون مُساءلة، وعبر أشكال مختلفة، منها: حقهم بالإضراب والاعتصام السلميين، وهذا ما لم تتبنهُ- إلى الآن- الحركة النقابية، وحقهم في التمثيل ضمن الأطر النقابية المختلفة، بما يتوافق مع وزنهم الفعلي في الطبقة العاملة، وهذا ما لم يتوفر حتى في الترتيبات الانتخابية الجديدة التي قاربت على نهايتها، وحقهم في المساواة التامة مع عمال قطاع الدولة بما يتعلق بنهاية الخدمة والسكن العمالي والقروض من المصارف... إلخ من القضايا.

رؤية المتغيرات

إن الاستمرار في العمل النقابي على الطريقة الحالية نفسها، مع عدم رؤية المتغيرات الجارية بواقعهم، يعني خسارة جزء هام من قوى الطبقة العاملة لصالح القوى الرأسمالية، وبالتالي: استمرار هذه القوى بالتحكم والسيطرة على مصالح العمال، وهذا لن يستمر طويلاً، مما يعني أن العمال سيبحثون عن الوسائل والأدوات التي ستمكنهم من استرجاع حقوقهم كافة، ولنا في تجاربهم الإضرابية عبرةٌ، وتوضح المآل الذي ستذهب إليه الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن حقوقها الاقتصادية والديمقراطية، بالرغم من محدوديتها، ولكنها تحوي قدراً مهماً من النجاح من أجل زيادة أجورهم وبعض الحقوق الأخرى، وسيراكم العمال خبراتهم ومعارفهم العملية بهذا الخصوص، متخطين كل المعوقات التنظيمية وغيرها ليحققوا مطالبهم المشروعة.

عمل صعب ولكن مُجدٍ

العمل في القطاع الخاص ليس بالسهولة التي يجري العمل بها مع عمال قطاع الدولة، كون الأخير يخضع لقوانين لا يستطيع رب العمل الحكومي تجاوزها، بالقدر الذي يمكن لرب العمل الخاص القيام بالتجاوزات، مع أن العديد من التجاوزات القانونية تمت بحق عمال قطاع الدولة على أساس المادة 137 من قانون العاملين الأساسي، والذي بمقتضى هذه المادة لا يستطيع العامل أو من يمثله بأن يقاضي الجهة الحكومية التي تسببت بتسريحه من العمل بغير حق، ومع هذا، يبقى وضع عمال قطاع الدولة نسبياً في حالة أفضل من حيث بعض الحقوق المضمونة، منها التأمينات الاجتماعية ونهاية الخدمة... إلخ، ولكنّ عمال القطاع الخاص محرومون من هذه الحقوق، وإن حصلوا عليها فهي بالحد الأدنى لأجورهم.
إن العمل مع عمال القطاع الخاص في المراكز الإنتاجية، في المدن الصناعية وخارجها، يلقى مقاومةً من أرباب العمل ولا يُطربون أبداً لوجود النقابات داخل منشآتهم، مهما كانت هذه اللجان النقابية، حتى لو كانت مختارةً من قبلهم، لأن هذه اللجان ستكون خاضعة لضغط العمال ومطالبهم، فهي مضطرة للدفاع عن تلك المطالب المطروحة، وإن لم تفعل ذلك سينبذها العمال ويبدؤون بالتحرك من خارجها، كما حدث في عدة تجارب إضرابية في عدرا الصناعية وخارجها.
هذا هو واقع الحال الذي يعيشه العمال، هل بالإمكان تغييره؟ سؤال برسم الحركة النقابية والطبقة العاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
947
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون2/يناير 2020 11:47