الصناعات الهندسية تحتاج إلى إعادة هندسة أوضاعها؟
عادل ياسين عادل ياسين

الصناعات الهندسية تحتاج إلى إعادة هندسة أوضاعها؟

تمرُّ الصناعة السورية في القطّاعين الخاص والعام بلحظات حرجة وتعثر في الاستفادة القصوى من إمكاناتها التي تراكمت عبر عشرات السنين، والتي يجري التفريط بها على مذبح المشاريع السياحية وغيرها من المشاريع التي ناتجها العام ليس لمصلحة البلاد في عملية التنمية المطلوبة في هذه الأوقات العصيبة من عمر الأزمة الوطنية، التي لم تبقِ ولم تذر من مقومات الاقتصاد الحقيقي، ليس بفعل الحرب فقط، ولكن بفعل السياسات الاقتصادية ونموذجها الليبرالي الذي سعى ويسعى في كل لحظة إلى تحقيق أعلى معدلات من الربح وعلى حساب الاقتصاد الوطني برمته، وبالخصوص على حساب الصناعة الوطنية التي مخزونها كبير من الخبرة والإمكانات والقدرات لتجاوز أوضاعها التي وضعت فيها، وتمنعها من إعادة تدوير عجلة إنتاجها.

المذكرة التي أصدرتها المؤسسة العامة للصناعات الهندسية يمكن أن توضح وتدلل على حجم الإعاقات ومقدار العصي التي توضع في عجلة أن تمضي هذه الصناعة في طريقها نحو الإنتاج المتطور، والملبي لحاجات الناس، والصناعات الأخرى من مواد أولية تحتاج إليها في صناعاتها.
المذكرة التي جاءت تحت عنوان الصعوبات والمعيقات الصادرة عن المؤسسة العامة للصناعات الهندسية تعكس الموقف العام من مجمل الصناعة بالرغم من الادعاء الدائم بأن الأولوية للصناعة، ولكن هذا كلام في كلام يدحضه الواقع الذي تعيش فيه معظم المراكز الصناعية ابتداء من المدن الصناعية وليس انتهاءً بالشركات العامة، التي يوضع لها برنامجاً جديداً في تصنيفها بين الدمج والإنهاء والطرح على التشاركية مع القطاع الخاص، وربما مع رساميل أجنبية ضمن قوانين الاستثمار التي تصيغها الحكومة وتعدلها بين الفينة والأخرى.
جاء في المذكرة الصعوبات والمعوقات التالي:
صعوبة في تأمين المواد الأولية وارتفاع أسعارها لعدم الشراء مباشرة من الشركة الصانعة بسبب المقاطعة، والحظر، هذا يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
صعوبة تأمين القطع التبديلية وارتفاع أسعارها.
ارتفاع الرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج.
صعوبات متعلقة بالشحن الداخلي وارتفاع أجورها.
انخفاض التوتر الكهربائي من الشبكة الرئيسة وانقطاعه أحياناً مما يتطلب تشغيل المولدات الاحتياطية.
ارتفاع ديون القطاع العام، وعدم قيام مؤسسات القطاع العام بتسديد أرصدتها.
عملية الندب لم تُجدِ نفعاً بسبب قلة خبرتها وارتفاع أعمارها.
نقص حاد في العمالة الفنية والخبيرة.
صعوبة تأمين القطع الأجنبي من أجل استيراد المواد الأولية.
عدم تأمين كميات المازوت الكافية لتشغيل معمل الصّهر والبالغة 300 ألف لتر شهرياً.
تأخير تخصيص المبالغ اللازمة في الخطة الإسعافية وعدم كفايتها وقد ينتهي مفعولها قبل انتهاء تنفيذ العمل الذي خصصت له.
هذه المعوقات، ولكن السؤال أليس بمقدور الحكومة عبر وزاراتها المختلفة صاحبة العقد والربط في الشأن المالي والصناعي تجاوز معظم المعوقات إن لم نقل كلها؟
الجواب بسيط، إن كان هناك توجه حقيقي نحو التجاوز لتلك المعوقات ليس في قطاع الصناعات الهندسية فقط، بل بمجمل القطاعات الصناعية التي تم ربط خطوطها الإنتاجية وموادها الأولية وقطع تبديلها مع الغرب، الذي يفرض على الشعب السوري حصاراً جائراً. وبالتالي، ستجد الصناعات المختلفة نفسها أمام المأزق الحالي الذي تعيش فيه، والمخرج الوحيد لهذا المأزق هو التوجه شرقاً عبر التعامل المباشر مع الحكومات، مما سيوفر تلك الكمسيونات العالية التي يحصل عليها الوسطاء لتأمين ما تحتاجه تلك الصناعات. وهنا نصطدم بالمعضلة الكبرى القطع الأجنبي الضروري لعمليات الشراء. وبالتالي، سترتفع التكاليف من جرّائها وتتعطل عجلة الإنتاج عن الدوران بسبب عدم تأمينها.
لقد قدمت المؤسسة عدة اقتراحات للخروج من الوضع القائم، وهي مقترحات هامة، ولكنها غير كافية، وغير الكافي فيها أنها لم تتعرض لقضية أجور العمال من حيث ضرورة زيادتها لتكون عامل جذب أساس لتلك الكوادر التي غادرت قطاع الدولة إما بالهجرة إلى الخارج، أو بالعمل في شركات القطاع الخاص الذي يعرف كيف يشد تلك الكوادر الهامة له، ويشغلها في منشآته عبر العديد من الأشكال بما فيها إعطاء أجور أفضل، مما يعطيه القطاع العام، ولكنها غير كافية قياساً بتكاليف المعيشة المرتفعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
939