ماركس «يقلب الطاولة» ويقول: العمل أبو الثروة وأمها

يقول الأكاديميون الاقتصاديون عبر العالم: إن الأرض ورأس المال والعمل، يتشاركون في إنتاج البضائع والمنتجات في الاقتصاد العالمي.

ويضعون رأس المال في مقدمة هذه «العناصر الرئيسة» الثلاثة، التي يعتبرها البعض مصدر قيمة البضاعة المنتجة، ويستنتجون بناء على ذلك: أنّ هذه المنتجات عندما تُباع في السوق، فإن النقد الناتج عن بيعها يوزع «بالعدل»: ليحصل الرأسمالي على الربح، وصاحب الأرض على حصة تسمى الريع، أما العمال فيحصلون كذلك الأمر على حقهم ومساهمتهم من خلال الأجر.
 بهذا يعتبرون أن: «الجميع يساهم في الإنتاج بشكل متساوٍ، والجميع يحصل على حقه بالعدل عبر السوق».
إلّا أنّ رجلاً يدعى كارل ماركس، عاش بين 1820-1883 «قلب الطاولة» على هذه المفاهيم الخاطئة، وصاح في عام 1848: «يا عمال العالم اتحدوا».
ماركس، استند إلى اقتصاديين سابقين له كآدم سميث وريكاردو، بأن العمل هو مصدر القيمة، وهذه الحقيقة التي أثبتها علماء الاقتصاد السياسي الأوائل، أكملها ماركس باكتشافه لسر الاستغلال، وكان على العالم الرأسمالي أن يحاربه عليه، وأن يرتد الاقتصاديون لاحقاً ليتنكَّروا لفكرة أنَّ العمل هو مصدر القيمة والثروة، ويعتبروا أن العمل ورأس المال مساهمان مشتركان يحصل كل منهما على حصة عادلة.
إن ماركس، أثبت أن هذه (العدالة) زائفة، وأن عملية الإنتاج الرأسمالي قائمة على استغلال العمل لصالح رأس المال.

القيمة الزائدة وسر الاستغلال

تقول نظرية القيمة بالعمل: إن البضاعة المنتجة على مستوى المجتمع، وليكن رمزها W، مكونة من ثلاثة أجزاء، أولها: رأس المال الثابت ورمزه C وهو وسائل الإنتاج والمواد الأولية المستخدمة والمعدات وغيرها. وثانيها: هو رأس المال المتغير ورمزه V وهو مقدار العمل الحي الضروري لإنتاج بضائع وحاجات يستهلكها العمال ليجددوا قوة عملهم، ويستمروا على قيد العمل، ولهذا المقدار من العمل الضروري حد وسطي يتغير كلّما تقدم المستوى التكنولوجي للعملية الإنتاجية ككل، وأصبح إنتاج الحاجات الضرورية يتم بوقت أقصر، أما إضافة ماركس فكانت أن الجزء الثالث المكون للبضاعة هو ما سماه ماركس (القيمة الزائدة) ورمزهاM ، وهي تعادل الإنتاج المنتج في ساعات العمل الإضافية عن وقت العمل الضروري، الذي يتيح إنتاج الحاجات الرئيسة، ومجمل هذه الساعات الإضافية، ينتج فيها العمال مجاناً إنتاجاً يستولي عليه مالك وسائل الإنتاج، وتتحول هذه القيمة الزائدة M إلى ربح للرأسمالي يحصل عليه بمجرد بيع بضاعته في السوق.
أي: إن ماركس يقول: إن العمال ينتجون الربح مجاناً، ويستولي عليه رأس المال، الذي يسعى إلى تشغيلهم ساعات عمل إضافية ليزيد إنتاجM

العمال ينتجون ما يملكه الرأسمالي!.

العامل يستخدم الآلات والمعدات والمواد الأولية التي أنتجها عمال سابقون، وبدون استخدام العمال لها فإنها تبقى بلا قيمة، وهم من ينقلون قيمتها إلى البضاعة الجديدة، فيصبح الحديد واللوحات الإلكترونية والمحركات آلة، ويصبح القمح والنار الموقدة في الفرن، والفرن ذاته خبزاً. فحتى لو كان الرأسمالي هو من يشتري هذه المعدات والآلات والمواد الأولية، فهذا لا يعني أنه قد أنتجها، بل هو يمتلكها فقط، ولا معنى لامتلاكه لها إذا لم يستخدمها العمال.
العمال ينتجون ما يستهلكونه!
كما أن العمال هم من ينتجون Vبضائع تعادل قيمتها حاجاتهم الضرورية لاستمرارهم، أي: لتجديد قوة عملهم، وهذا يعني عملياً: أن العمال ينتجون أجورهم التي يعطيهم إياها الرأسمالي، والذي لا يعيدها للعمال كاملة، بل منقوصة ليكون الأجر أقل من الحاجات الضرورية، ويستولي الرأسمالي على الجزء المتبقي.

العمال ينتجون ربح الرأسمالي؟

يضاف إلى ذلك، أن العمال على مستوى الاقتصاد الوطني والعالمي ككل، وخلال أيام وساعات عملهم الإنتاجي، يعملون أغلب ساعاتهم لإنتاج الربح! فهم ينتجون بضائع تعادل حاجاتهم الضرورية خلال ساعات قليلة من يوم العمل، والوقت الفائض كله ينتجون فيه بضائع عندما تباع في السوق تعود على الرأسمالي بالربح.

بعد أكثر من 130 عاماً.. «ماركس كان على حق»

استنتج ماركس: أن العمل البشري الحي في العمليات الإنتاجية، يستخدم الآلات والمعدات وينقل قيمتها إلى البضاعة الجديدة، وينتج بضائع تزيد عن أجره، وبضائع هي ربح صافٍ للرأسمالي. لذلك فإن العمل هو مصدر القيمة الزائدة للمنتجات العالمية كلها، ومصدر الثروة الاجتماعية ككل.
أما مالكو وسائل الإنتاج الرأسماليون، ومالكو الأراضي، ومالكو الثروات الطائلة في المصارف والبنوك، هؤلاء كلهم يحصلون على ربحهم من إنتاج العمال، ومن ساعات عملهم الفائضة، أي: أنهم يستولون على الجزء الأكبر من الثروة الاجتماعية التي لا يساهمون في إنتاجها.
إن ماركس اكتشف قانون الاستغلال في الرأسمالية، واكتشف القوانين الإضافية التي تقول: إن هذا النموذج الاستغلالي غير قابل للاستمرار، وهو محكوم بالزوال.
ولأنه اكتشف هذا وذاك، يهاجمه «مفكرو رأس المال» عبر العالم، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم الرأسمالي اليوم، والتي تدفع القلة المحتكرة للثروة الاجتماعية، نحو إشعال الحروب خوفاً من التغيير القادم، هذه الأزمة تعيد الاعتبار لهذا المفكر الثائر، ليقول كل من يقرأ التغيرات ويسعى نحو العدالة وإنهاء الاستغلال: «ماركس كان على حق».

معلومات إضافية

العدد رقم:
935
آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2019 14:12