ويبقى أيّار لنا!
مرة جديدة يمضي الواحد من أيّار على البلاد كما أرادوا له أن يكون، هادئاً وخفيفاً، قصير اللسان قليل الدسم، لا صخب فيه ولا غضب، لا وعيدَ ولا وعُودَ ولا حُشود، نهجوا له نهجاً ونجحوا، ورسموا له مساراً يوافق سعيهم فوصلوا، حبسوه عِنوة ً بين أسطر البيانات والخطابات، وقيدوه بأغلال على منابر الخواجات، ألبسوه الكرافات الفاخرة، وأغرقوه بالعطر المستورد من بلاد الحصار الاقتصادي، ألهموه الشِعر الركيك، والخطاب الخشبي العتيق، ووعدوه بالصفير والمديح والتصفيق.
أيّار جديد مضى، والطبقة العاملة تراقب عن كثب، تقبض على الجمر وتلوك الوجع وتلجم الغضب، تراكم احتقانها وتبني وعيها، ترقب أفقها المفتوح، فالبعيد الذي لم يعد بعيداً اقترب، والعمال والكادحون الذي غُيبِّوا عن عيدهم ليسوا بغائبين، سترونهم قريباً يمسكون عيدهم بقبضاتهم القوية، ويرفعون راياتهم وينشدون، سيخرجون من تحت شوادر المخيمات، من زواريب العشوائيات، من وراء الآلات، من مزارع القطن والقمح، من تحت أنقاض بيوتهم، من تحت خط الفقر، من المقاهي التي حوت أفكارهم واطلعت على نقاشهم، من زحمة مراكز الباصات، من مدرجات الملاعب والجامعات، من صفحات التواصل الاجتماعي، ومن وراء الكاشيرات، من أرصفة البطالة وطوابير مركز المعونات، سترونهم يحتفلون بأيّارهم كما يحلو لهم، سيحتفلون بخسارة أغلالهم وباستعادة وطنهم، سيكون مِنبرهم (سحّارة) في شارع، أو عتبة في حارة، أو (طربيزة) في معمل، ستكون ملابسهم من البالة أو من البسطات، وستكون خطاباتهم قصيرة، وشعاراتهم عفوية وشعبية، وتصفيقهم عاصفاً ثورياً، سيصبح كل شيء أفضل، كل شيء أجمل.
نعم، سيسجل التاريخ للطبقة العاملة موقفها الوطني المتماسك والأصيل عبر مراحل تشكل الدولة الوطنية، وخلال الأزمة الوطنية الشاملة، سيسجل لها شرف تصدرها لمشهد الدفاع عن الأرض والوحدة الوطنية والسيادة، عن المؤسسات والمعامل والورشات، وكيف كانت الطبقة الأكثر تضحية بعديد الشهداء والمصابين، ضمن الجيش السوري ومواقع العمل، وسيسجل التاريخ أيضاً، كيف تتالت القرارات الاقتصادية الحكومية على العمال والكادحين لتجردهم من مقومات معيشتهم، لتصبح أجورهم في أدنى قيمة شرائية لها، وعاجزة عن تأمين الحد الأدنى من الشبع والغذاء، في مؤشر واضح لاستمرار الحكومة بالتخلي عن دورها لصالح قوى المال ونخبته المستبدة، فانهالت قوى النهب والفساد على حقوقهم وموارد رزقهم، وممتلكاتهم الخاصة، ورغيف خبزهم ودوائهم وكرامتهم، فكانت أشدّ عليهم من الصواريخ محلية الصنع التي تساقطت فوق رؤوسهم، فأثخنت جراحهم وأحبطت آمالهم، أمام مرأى الحكومة ومسمعها، المعتمدة على (كوانة) الحصار الاقتصادي وشماعة الأزمة، لتجد الطبقة العاملة نفسها تدخل الطور الثالث للأزمة بلا حماية تساعدها على مواجهة الناهبين، ، مما جعلها تلجأ لقواها الحية والكامنة لخوض معركة الوجود والبقاء.
جاءت احتفالات عمال العالم في الأول من أيّار قبل أيام، التي نقلتها وسائل الإعلام، لتذكر عمال سورية بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وما عليهم فعله في مواجهتهم للقوى المستغلة والسارقة لعرقهم وأيامهم وخبز أولادهم، وهم العالمون بواقعهم، الحريصون على وطنهم، مما يوجب عليهم تطوير وعيهم وصياغة برنامجهم الذي ينشدون، لأنهم أصحاب أيّار وأصحاب القرار.
إن أيّار سيبقى لأصحابه وصانعيه، وفي أيّار قادم وقريب، وسيكون للطبقة العاملة برنامجها، ووزنها، وللنقابات دورها، سندخل مرحلة التغيير الوطني الحقيقي الشامل وسيطمئن السوريون على مستقبل أطفالهم واستقلال أوطانهم، وسيمتلكون مواردهم وخيراتهم وخبزهم وحريتهم وكرامتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 912