ماذا ستقدم الليبرالية للعمال؟
يدور الحديث اليوم عن تعديل قانون العمل رقم /17/ وكل فترة تصدر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بعض التسريبات عن فحوى هذه التعديلات وتعلقها بحقوق العمال وما إلى هنالك، وعن اتفاق مشروع القانون مع الاتفاقيات الدولية.
أي سياسة تُنتج القوانين؟
بما أن الحكومة السورية تتبنى الليبرالية في سياساتها الاقتصادية، وبالتالي كل القوانين التي تصدر عنها صادرة وفق الفلسفة الليبرالية، وبشكل مخالف لنص وروح الدستور السوري الصادر عام 2012، والذي أكَّد على أن هدف السياسة الاقتصادية هو العدالة الاجتماعية، فهذه القوانين لن تقدم أية حقوق بل ستزيد من إفقار الشعب وخاصة الطبقة العاملة، لأن هدف الليبرالية هو زيادة معدلات الربح والنهب لفئة محددة على حساب فئات الشعب كافة.
انكفاء الدولة بحجة الحرية
يتبنى الفكر الليبرالي في القوانين قاعدة الحرية التعاقدية وسلطان الإرادة حتى في عقود العمل، وهذا مطبق في قانون العمل رقم /17/ وبشكل يخالف هدف الاقتصاد السوري في الدستور (العدالة الاجتماعية) حيث على الدولة أن تتدخل في عقود العمل لمصلحة العامل، لتقيم نوعاً من التوازن في العلاقة غير المتكافئة بين رب العمل الذي يملك المال والنفوذ، وبين العامل الذي لا يملك سوى قوة عمله التي يبيعها كي يعيش منها، وهو مضطر إلى بيعها بالأسعار التي يحددها أرباب العمل، وأغلب عقود العمل لا تقوم على مبدأ الحرية التعاقدية بل تقوم على مبدأ عقود الإذعان، حيث لا يستطيع العامل تعديل أو مناقشة أية شروط منها، فهو أمّا أن يقبلها كاملة أو يرفضها ويبقى عاطلاً عن العمل. وبالتالي، مبدأ الحرية التعاقدية غير موجود على أرض الواقع في عقود العمل، بل هو مجرد انكفاء لدور الدولة عن رعاية العمال لمصلحة أرباب العمل، وهذا مخالف للمادة /13/ من الدستور التي نصت على أنَّ الدولة تكفل القوة المنتجة، وتعمل على تطوير الطاقات البشرية، وتحمي قوة العمل بما يخدم الاقتصاد الوطني.
الحرية لطرف واحد فقط
عادة ما تقيم بعض الدول حتى (الأكثر ليبرالية منها) في قوانين العمل نوعاً من التوازن بين العمال وأرباب العمل دون أن تدخل أو تصطف لمصلحة طرف على حساب طرف آخر، وهي أن تعطي الحرية الكاملة لكلا الطرفين وتسلح كل طرف بأسلحة يدافع فيها عن مصلحته، كشرعنة حق الإضراب للعمال لمواجهة ضغوط أرباب العمل، واعتماد مبدأ المفاوضات الجماعية لتنظيم عقود العمل دون ترك العامل يفاوض وحده رب العمل، وإعطاء الحرية الكاملة للنقابات في اتخاذ قراراتها والدفاع عن مصلحة منتسبيها.
حقوق/ وتسريح تعسفي!!
مهما حوى مشروع قانون العمل من حقوق للطبقة العاملة كما يروج له، تبقى هذه الحقوق إن وجدت مجرد حبرٍ على ورق مع إبقاء التسريح التعسفي سيفاً مسلطاً على رقاب العمال، فهذه المادة وحدها كفيلة بأن يمتنع العامل نفسه عن المطالبة بحقوقه، لخوفه الدائم من الطرد، فيما لو تحدّى ربَّ عمله وطالب بحقوقه المنصوص عليها في قانون العمل، وهذا هو الواقع وليس مجرد احتمالات نضعها.
حقُّ الإضراب
تجريم حق الإضراب رغم أنه منصوص عليه في الدستور السوري، إلّا أن الحكومة ترفض النص عليه صراحة في قوانين العمل، وما زالت تعتبره جنحة يعاقب عليها القانون ضاربة بعرض الحائط الدستور الذي يعتبر أسمى القوانين في الدولة، كل هذا في سبيل مراعاة مصالح أصحاب الربح.
وبالتالي، حتى قيم الليبرالية التي أقيمت على مبدأ الحرية كما يدَّعي مؤيدوها لا تطبَّق بشكل كامل في بلادنا، بل يجري إعطاء كامل الحرية لأرباب العمل فقط، ويتم مقابل ذلك تكبيل الطبقة العاملة وحرمانها من حقوقها الدستورية وتجويعها.
لا يمكن للأنظمة الليبرالية في بلدان العالم الثالث أن تنتج أو تعطي أية حقوق للطبقة العاملة، ففي جميع البلدان التي طبقت فيها الليبرالية ازدادت معدلات الفقر والبطالة والتهميش، وانتهكت حقوق العمال بشكل أدى إلى حدوث اضطرابات داخلية وحروب داخل هذه البلدان وسورية واحدة منها، ولا بدَّ عند وضع قانون عمل جديد النظر إلى أوضاع الطبقة العاملة على أرض الواقع، وأخذ مطالبها بعين الاعتبار وتطبيق الدستور بغضِّ النظر عن أحلام البعض وتصوراتهم الليبرالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 911