حق العمل
نبيل عبد الفتاح نبيل عبد الفتاح

حق العمل

أقرت معظم الشرائع الدولية في مواثيقها العديد من الحقوق التي ناضلت من أجلها البشرية خلال تاريخها الطويل في مناهضة الاستغلال، وأدرجت في دساتير الدول التي تنظم علاقاتها في المجتمع معظم هذه الحقوق، وأنه من واجب الدولة أن تكفل هذه الحقوق وتعمل على صيانتها وتأمينها لأفراد المجتمع كافة دون أيّ شكل من أشكال التميز، وعملت على تأطيرها من خلال القوانين المختلفة على أن تضمن كرامة المواطن، كحق التعليم وحق المحاكمة العادلة وحق الغذاء وحق التعبير وحقوق المرأة وغيرها والأهم منها: الحق في العمل.


وقد أقر الدستور في المادة /40/ منه هذا الحق
1- (العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.
2- لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألّا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيّرها.
3- تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال).
إن الاعتراف بالحق في العمل وإقراره في الدستور، يعني من حيث الجوهر: الحق في المشاركة بأنشطة المجتمع كافة وكذلك أيضاً المشاركة والانتفاع من الموارد التي تنتج عن هذه المشاركة، بشكل يضمن مستوى معيشياً لائقاً وكريماً، وبمعنى أخر يعني هذا: حق إلغاء أي استعباد لأي فرد في المجتمع سواء كان هذا الفرد يقوم بعمل مأجور أو يعمل لحسابه.
المفارقة، أن الحق بالعمل رغم أهميته الكبيرة والهامة لا يأخذ إلّا حيزاً محدوداً، ولم يعالج بشكل حقيقي كحقٍ للعمل، حيث تم الالتفاف عليه مثل: إتاحة فرصة عمل، أو العمل واجب عليه، أو تعمل الدولة على توفيره، ولم يُتناول كحقٍ يجب أن يتمتع به كل مواطن في هذا المجتمع، ومن أهم التدابير التي يجب على الدولة اتخاذها لحماية الحق بالعمل باعتباره التزاماً على عاتقها، هي: تأمين برامج التدريب والتأهيل وبرامج التوجيه التقنية والمهنية ويجب أن تكون دون مقابل أو مقابل رسوم رمزية تتيح إمكانية كل مواطن الالتحاق بها.
وإذا عدنا إلى القوانين التي تنظم العمل، وهنا الطامة الكبرى، نجد هناك قانونين للعمل أحدهما لقطاع الدولة والآخر للقطاع الخاص، وهذا بحد ذاته عملية شرخ للمجتمع واعتبارهم مواطنين غير متساويين في الحقوق رغم أنهم متساوون بالواجبات التي تترتب عليهم من ضرائب وغيرها اتجاه مجتمعهم، هذا من جانب، أما من حيث حقهم في العمل لم تعمل هذه القوانين على حماية وصون العمل بشكل واضح وصريح، فقانون العمل /50/ لعام 2004 في مادته /25/ أقر بتسريح العامل الذي لا يُرفّع ثلاث مرات خلال مدة خدمته، أو لم يُرفّع مرتين متتاليتين وكذلك الفقرات (4 -5 -6 -7 -8) من المادة /131/ هذا إضافة للمادة /137/ أما قانون العمل رقم /17/ لعام 2010 هناك أيضاً العديد من المواد التي تفقد العامل حقه بالعمل بجرة قلم، ومنها على سبيل المثال: المادة /65/ وغيرها. هذا إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى التي يتعرض لها طالب العمل، وتجعل حقه بالعمل منقوصاَ كعقود الإذعان والأجر الذي لا يلبي متطلبات معيشته، وحقه بالإضراب وعدم توفير الأمن الصناعي والضمان الصحي والاجتماعي وغيرها، وقد كنا قد تناولنا العديد منها في قاسيون. ومما لا شك فيه: أن السياسات الاقتصادية التي تدّعي ضمان العامل كاملاً وحتى لو كانت أفضل السياسات في العالم، لن تستطيع أن توفر فرص العمل لطالبي العمل كافة في سوق العمل، وحتى عمل الفرد لحسابه الشخصي في ظل سياسات اقتصاد السوق الليبرالي.