حرفيو السويداء.. صراع بقاء
يعاني الحرفيون في المنطقة الصناعية بمدينة السويداء الأمرَّيْن في نضالهم للبقاء خارج جيش العاطلين عن العمل، فهم لم يكتووا بنار العنف والجنون كما في بعض المحافظات، لكن نيران تجّار الأزمات سماسرة الربح المتعاظم تصيبهم وتحرق في قلوبهم.
الجميع يعلم بوضوح: التواطؤ بين التجار الكبار، وبين الفساد الكبير في جهاز الدولة، وإلّا كيف نفهم أن الدولة تسمح حتى اليوم وفي ظل أزمة وطنية خطيرة باحتكار استيراد المواد الصناعية الأولية والتحكم بأسعارها، ليحقق أولئك الحيتان دوماً معدلات ربح فلكية، وذلك طبعاً عبر حلقات الفساد الممتدة بما فيها مراكز الصيرفة الخاصة، ومراكز السوق السوداء التي تمارس التجارة بالعملة بيعاً وشراءً، ورغم وجود بدائل كثيرة فيما يتعلق بالاستيراد، منها: ما يمكن للدولة أن تديرها، ومنها من القطاع الخاص الذي يقدم بدائل وطنية في هذا المجال، لكن يبقى الباب موصداً في الغرف الخاصة لتوزيع حصص الاحتكار وتقاسم دم الشعب الفقير.
قاسيون في المنطقة الصناعية
قال إحسان وهو صاحب إحدى الورش: هناك معوقات كثيرة تبدأ من انقطاع الكهرباء في كامل المنطقة الصناعية في أوقات الذروة والإنتاج وما يسببه من تعطيل لليد العاملة والورش لأكثر من ساعتين أو ثلاث يومياً، ضمن يوم عمل يمتد من التاسعة حتى الخامسة، ويضاف إلى ذلك تأمين مادتي الغاز والمازوت الأساسيتين في تشغيل العديد من الورش، من السوق السوداء وفق معاملات الاحتكار وغياب أية رقابة حكومية، إضافة لارتفاع أسعار المواد الصناعية الأولية والتحكم بأسعارها من قبل تجار الأزمة، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى رفع تكلفة المنتجات وتقليل إمكانية تصريف المنتج، وبالتالي زيادة في تضييق الخناق على الورش وخروج أعداد أكبر من اليد العاملة نتيجة انحسار سوق التصريف عموماً وارتفاع تكاليف الإنتاج بكل مكوناته وزيادة العجز في تلك الورش.
كما حاولت قاسيون معرفة واقع الأجور والرواتب للعاملين في المنطقة الصناعية، وهل لهم ضمانات تأمينات اجتماعية.
ماجد معلم ألمنيوم، وهو الوحيد ضمن الورشة التي يعمل فيها مؤمن عليه من قبل صاحب الورشة قال: يلجأ أصحاب الورش إلى تسجيل العمال ذوي الخبرة فقط في مؤسسة التأمينات الاجتماعية لأهمية استمرار بقائهم ضمن ورشهم، وباقي العمال دون ضمانات أو تأمينات ولا توجد زيارات تفتيشية من قبل مديريتي العمل والتأمينات الاجتماعية للمنطقة الصناعية منذ بدء الأزمة لم نرَ أي موظف.
هاشم ميكانيكي: راتبي 60 ألف ليرة سورية، وأعمل يومياً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً «ربع راتبي أجور نقل على مدار الشهر، خليها لربك عايشين بالقدرة، الله يفرجها أحسن شي».
أثناء تجوالنا في المنطقة الصناعية في السويداء لاحظنا وجود أعداد كبيرة من الأطفال دون الـ 18 سنة، يعملون في معظم الورش الموجودة في المنطقة، يتقاضون رواتب هزيلة تتراوح بين 15 و20 ألف ليرة كونهم في مرحلة تعلّم المهنة أو كما يقال عنهم «صبيان المصلحة»، وكان لنا حديث مع رامي الذي توفي والده بمرض السرطان، واستهلكت جرعات الدواء آخر القروش في جيوب عائلته، وقضت على أيام الدراسة وأحلام الطفولة، قال لنا: عمري 16 سنة أعمل في ورشة حدادة من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً وأقبض كل جمعة أربعة آلاف ليرة سورية، يعني بالشهر 16 ألف ليرة سورية «منشان وفر أجرة طريق يومياً أمشي من بيتي لشغلي».
الحرفيون يرفعون الصوت عالياً
لتأمين مستلزمات الإنتاج من حوامل الطاقة «الكهرباء والمازوت والغاز» ومنع احتكار استيراد المواد الصناعية الأولية من قبل حيتان الأزمة والتلاعب بأسعارها، في ظل عجز جهاز الدولة عن تأمين الكميات المطلوبة لاستمرار عجلة الإنتاج.
لقد نظم الحرفيون في السويداء عدة عرائض قدمت للسيد المحافظ يشرحون معاناتهم المستمرة منذ بداية الأزمة، وتداعياتها على أوضاع العمل والإنتاج والأسر «المعتاشة» من هذه الحرف والورش.