الشرعية الدولية لحقوق الإنسان
تطلق هذه التسمية على مجموعة الوثائق التالية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 - العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 - العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 - البروتوكولات الإضافية.
نحن على أبواب تشكيل اللجنة الدستورية والتي تنبع أهميتها من أنها ستقرر مصير البلاد والعباد إلى خمسين عاماً قادمة وربما أكثر، وقليلون من يتحدثون عن ضرورة على ماذا يجب أن ينص الدستور الجديد من حقوق، وتبقى التغييرات التي تطرحها بعض القوى تتعلق بالجانب الديمقراطي فقط، ومع ضرورة هذه المواضيع وأهميتها إلّا أنّ هذه القوى لا تتحدث عن مصالح فئات الشعب وحقوقها بل تكتفي عادة بالإشارة إلى ما يهم توجهها السياسي والاقتصادي، وتفصل دائماً بين حقوق الإنسان التي تدّعي أنها تدافع عنها، وبين حقوق الطبقات الكادحة من عمال وفلاحين وكأنهم ليسوا مواطنين طبعاً، ولا تنسى هذه القوى أن تذكرنا بحقوق المرأة لتظهر بمظهر حضاري لا أكثر.
الدساتير وحقوق الإنسان
إذا كنا نريد أن نضع دستوراً عصرياً لا بد وأن يعترف الدستور الجديد بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد اختلفت دساتير الدول في تحديد موقع قواعد القانون الدولي في إطار نظامها القانوني الوطني، فمنها ما اقتصر على عرض مبدأ خضوع الدولة للقانون الدولي دون تحديد موقعه، وبالتالي دون توضيح أي من القانونين يعلو على الآخر، حيث تنص هذه الدساتير على قبولها أو تبنيها أو امتثالها لقواعد القانون الدولي كقواعد سلوك في علاقاتها مع الدول الأخرى.
ومنها من أدمج قواعد القانون الدولي ونصوص المعاهدات في القانون الداخلي عن طريق إصدار المعاهدة بنص تشريعي يلزم المؤسسات والأجهزة الوطنية، وتطبقه المحاكم بصفته تشريعاً وطنياً مما يقود إلى سمو القانون الدولي على القانون الوطني، وهذا هو موقف الاجتهاد الدولي الذي أكد أولوية المعاهدات وتفوقها على النظم القانونية مهما كانت طبيعتها: دساتير، قوانين، إجراءات تنفيذية وإدارية.
مثال على ذلك ما ينص عليه الدستور اللبناني في الباب الأول بعنوان أحكام أساسية إلى (............ أن لبنان عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة وملزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان) وإن كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الشكل يعتبر من قبيل التوصيات غير الملزمة، فإن سلوك الدول قد أدخل الإعلان في مجال القانون الدولي العرفي، مما أدى على اعتبار انتهاكه انتهاكاً لالتزام قانوني يقع على عاتق الدول، وعلى تكريس مبدأ عام يعتبر القانون الدولي لحقوق الإنسان غير التعاهدي ليس قانوناً عرفياً بالمفهوم التقليدي، إذ أنه يتميز بقوة إلزامية لا تتصف فيها فروع أخرى من القانون الدولي، تصل إلى حد اعتبار قواعده ليست ملزمة فقط وإنما آمرة.
العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
اكتفى ميثاق الأمم المتحدة بذكر الحقوق والحريات الأساسية للإنسان بعبارات عامة دون إيضاح تفصيلات تبين مضمون هذه الحقوق وكيفية تنفيذها، ولم يستطع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حل هذه المشكلة، وهذا ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتماد اتفاقيتين دوليتين منفصلتين تتضمنان قواعد قانونية تفصيلية ملزمة لحقوق الشعوب وحقوق الإنسان. واحدة لتأمين الحقوق المدنية والسياسية فوراً، والثانية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد تمت صياغة الاتفاقيتين في لجنة حقوق الإنسان، ثم في اللجنة الثالثة للشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للجمعية العامة، وقد اعتمدت الجمعية العامة هاتين الاتفاقيتين وهما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد دخل العهدان حيز التنفيذ بعد اقرارهما بعشر سنوات في 3/1/1976 بالنسبة للأول وفي 23/3/1976 بالنسبة للثاني، وقد اشتمل العهدان على تناول معظم حقوق الإنسان والتي نذكر منها ما يغّيب عادة:
حق الشعوب في تقرير مصيرها والتصرف بثرواتها، الحق في التجمع السلمي، الحق في العمل وفي شروط عادلة، حق تشكيل النقابات والانضمام إليها، الحق في الإضراب، الحق في الضمان الاجتماعي، حقّ الإنسان في مستوى عيش لائق، الحق في العناية الصحية، الحق في التعليم والثقافة، بالإضافة إلى عشرات الحقوق التي تؤمن حياة كريمة للإنسان.
هذه الحقوق المعترف بها دولياً يجب الاعتراف بها في الدستور الجديد لأنها من صميم حقوق الإنسان الطبيعية التي يجب أن يتمتع بها أي مواطن، ولكي تتحقق هذه الحقوق على أرض الواقع ولا تبقى حبراً على ورق، يجب قيام الدولة بالتدخل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاعتراف بما جلبته الليبرالية الاقتصادية من ويلات على الوطن وأبنائه عامة، وعماله بشكل خاص، وضمانة لعدم إنتاج الأزمة مرة أخرى.