صناعة السجاد اليدوي في السويداء
تعد صناعة السجاد اليدوي من الصناعات العريقة الموغلة بالقدم في سورية بشكل عام، وفي محافظة السويداء بشكل خاص، نظراً لوجود اليد الخبيرة والمتميزة التي تعمل بها، ويمتاز السجاد اليدوي بمواصفات عالية من الجودة والإتقان والجمال بأشكاله وألوانه ونماذجه المتنوعة المعبرة عن التاريخ العريق للسجاد الشرقي، وعن دقة وخبرة صانعيه، ويعد تحفة فنية تدل على أصالة الماضي وعراقته.
في مهب الريح
تواجه اليوم صناعة السجاد اليدوي في محافظة السويداء، تحدياً قد يؤدي إلى انقراضها واندثارها، جراء مجموعة عوامل منها: المنافسة من السجاد الآلي، وضعف التعريف بها، سواء بالمعارض أو المهرجانات، إضافة لضعف التسويق لهذا المنتج. حيث أدى تدني تسويقه إلى كساد كميات كبيرة منه، وتراكم الإنتاج في المخازن، والجدير ذكره: أن محافظة السويداء كانت تنتج نحو 25 بالمئة من السجاد اليدوي في سورية، مع العلم أن كل المواد الأولية التي يصنع منها السجاد محلية الصنع وذات مواصفات جيدة، كما صنّعت محافظة السويداء السجاد بقياسات متنوعة، واعتمدت الزخارف المحلية في الكثير من تصاميمها، وتكلفة المتر المربع الواحد من السجاد اليدوي وفقاً للصنف تصل حوالي ١٢٠٠٠ ل.س كحدٍ أدنى، ولا بد من القول: أنه على الرغم من التطورات التكنولوجية التي دخلت في مجال صناعة السجاد، إلا أن صناعة السجاد اليدوي تبقى رائدة ومميزة، لأنها تعبر عن عبقرية الصانع وحرفيته في التعامل مع الصوف الخالص، أو القطن، أو الحرير، أو خليط منهما، والذي يتحدد بموجبه سعر السجادة، ودقة الصنع التي تعطيها إمكانية البقاء لفترة أطول مقارنة بالسجاد الآلي، ولكن في الآونة الأخيرة، تم استبدال السجاد اليدوي بالسجاد الميكانيكي ذو المنشأ المختلف، ومنه السوري والسعودي والتركي والعراقي، الذي وإن كان يمتاز بجماله وروعته، إلا أن صناعته تختلف من حيث الجودة والمواد الأولية عن السجاد اليدوي، مما أدى لتراجع واضح في إنتاج السجاد اليدوي، بالإضافة لعدم وجود خطط إنتاجية في وحدات صناعة السجاد، وأصبح الإنتاج يخضع لطلب الزبائن هذا إن وجد، بسبب ارتفاع أسعاره بالإضافة إلى أسباب كثيرة ومتنوعة، يأتي في مقدمتها: تدني أجور العاملات في هذه الصناعة، إذ أن العاملة كانت تتقاضى أجرها بحسب الإنتاج وبمعدل 1982 ل.س للمتر المربع من الصنف الجيد، وبما أن متوسط إنتاج العاملة لا يزيد عن 1،29 م2 في الشهر، هذا يعني: أن ما تتقاضاه العاملة شهريا يبلغ 2600 ل.س في أحسن الأحوال، مما أدى إلى توقف العمل وإغلاق عدد من الوحدات الإرشادية في الكثير من المدن والقرى في المحافظة، وقطع أرزاق الكثيرات اللواتي كن يعتمدن على هذا العمل في متطلبات الحياة اليومية، وعلى الرغم من أنه كان الهدف من إنشاء هذه الوحدات الإرشادية، هو إيجاد فرص عمل للريفيات للمساهمة في عملية التنمية والحفاظ على هذه الصناعة التراثية.
من المسؤول عن الأزمة؟
قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل باتخاذ بعض الإجراءات لمعالجة مشكلة الإنتاج والتسويق في الوحدات الإرشادية، مثل: تخفيض الخطط الإنتاجية السنوية لتلك الوحدات، وتخفيض أسعار السجاد ومع ذلك لم يكن كافياً هذا الإجراء، ولم تتمكن أغلب الوحدات الإرشادية لصناعة السجاد من رفع معدلات الإنتاج وتسويقه، لأن ارتفاع أسعار السجاد اليدوي من خلال تسعيرة السجاد في دوائر الشؤون الاجتماعية، والعمل في المحافظات عالية جداً، ولا مبرر لها على الإطلاق، وهناك بنود ورسوم تدخل بالتسعيرة غير منطقية، وهذا كله أدى إلى تدني الإنتاج، وهجرة العمل من قبل العاملات الريفيات، وصعوبة التسويق وتوقف أغلب الوحدات الإرشادية عن العمل، يقولون: إن هناك تراجعاً كبيراً في عملية البيع، مما شكل أزمة تسويق وإنتاج معاً، من المسؤول عن هذه الأزمة؟ أليس من الأجدى تخفيض نسب الأرباح والنفقات الإدارية وإلغاء الرسوم والبنود الوهمية من سعر المتر؟!، إذ يضاف مثلاً على سعر المتر المربع من السجاد المنتج أثناء تحديد قيمة السجادة 18% مقابل بندي التدفئة والتأمينات الاجتماعية، و8% نفقات إدارية، و10 % هامش ربح، كل هذه النفقات والرسوم المحملة على سعر المتر المربع من السجاد اليدوي تساهم برفع أسعاره وتخرجه من الاستهلاك الشعبي.
آراء العاملات ومعاناتهم
قالت إحدى العاملات في الوحدات الإرشادية: لقد صدر النظام الداخلي لوحدات صناعة السجاد برقم 243 تاريخ 27/3/1990 ونشر في الجريدة الرسمية العدد 46 لعام 1990 ومع ذلك لم يطبق منه شيء، وكل الذي نفذ في غير مصلحتنا، وفي عام 2000 صدر القانون رقم 8 وكان من الأجدى أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتثبيتنا مثل العمال الآخرين، وخصوصاً أننا نقوم بعملنا بأمانة وإخلاص منذ 24 سنة.
وأضافت أخرى: رفضت وزارة الشؤون الاجتماعية تثبيتنا لأننا نعمل على الإنتاج علماً أن اجتهاد محكمة النقض مستقر على أن العامل على الإنتاج هو كالعامل الشهري، وأردفت: لقد صدر من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بأن كل عاملة لا تحقق مترين مربعين في الشهر لا يمدد عقدها، ولا تدفع عنها تأمينات اجتماعية، ولا ترفّع وتحرم من كل الحقوق، وهذا الشرط يتعذر تحقيقه، وكانت نتيجة تطبيقه خروج الكثير من العاملات من عملهن، وإغلاق الكثير من الوحدات الإرشادية لصناعة السجاد اليدوي، مما أدى إلى حرماننا من دخلنا الذي كنا نعتمد عليه في إعالة أسرنا وأولادنا وتحويلنا إلى معطلات عن العمل.
وقالت عاملة أخرى: يجب على الوزارة حمايتنا وإشراكنا بالتأمينات الاجتماعية عن العجز والوفاة والشيخوخة وإصابات العمل وترفيعنا كل سنتين مرة، وخاصة أن هذه المهنة مطلوبة، فأغلب السياح يفضلون هذا النوع من الصناعات نظراً لدقتها وجودتها، وذات عمر زمني مديد، ورمز من رموز الشرق، وعلى الدولة المحافظة عليها.
عاملة أخرى أفادتنا أنه: تم إجراء مسابقة لتعيين مدربات ومساعدات مدربات على صناعة السجاد اليدوي، وأن حصة محافظة السويداء ١٦ مدربة، وقد نجحوا في الاختبارات الأولية، ولا زال لديهم الاختبار الأخير لتعيينهم، وعليه ننتظر التعيين لمعرفة شروط التعيين وظروفه، في ظل المطالبات المتسمرة بتثبت العاملات بعقود سنوية.
مطالب ملحة
تعد قضية عاملات السجاد اليدوي من القضايا العالقة، وقد تعرضت عاملات هذا القطاع تاريخياً للإهمال والتهميش، طوال العقد الماضي كُنّ يطالبن بمطالب محقة ومعظمها لم ينفذ حتى الأن، ومن ضمنها: الاشتراك في التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية والإجازات المدفوعة الأجر وإجازات الأمومة، والمطلوب اليوم تعديل النظام الداخلي للوحدات الإرشادية لصناعة السجاد اليدوي، والتأكيد على إعادة العمل بكافة الوحدات الإرشادية لصناعة السجاد اليدوي، لتأمين فرص عمل في الريف وإيجاد صيغة قانونية من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تتضمن عقود سنوية لإشراك العاملات في مؤسسة التأمينات لضمان حقوقهم.
أخيراً
نحن اليوم أمام قطاع إنتاجي مهم مهدد بالاندثار، بسبب السياسات الليبرالية التي تسعى إلى تصفية القطاع العام بشكل نهائي، ومهددةً معه المئات من العاملات الريفيات بالبطالة، ولذلك يجب الحفاظ على هذا القطاع وإعادة تأهيله ورعايته وحماية حقوق العاملات فيه، نظراً لما يمثله من إرث ثقافي، ليلعب دوره في تشغيل القوى المنتجة المتواجدة في الريف من جهة، ومن جهة أخرى تخفيض عدد المتعطلات عن العمل من نساء الأرياف والمدن، بدلاً من تكبيله بالقرارات الخاطئة وتخسيره، بالإضافة للمطالبات غير البريئة بإيجاد صناعة بديلة عن السجاد اليدوي في هذه الوحدات، والتي تمهد لتصفيتها أو خصخصتها، وهذا يدخل في إطار حماية الإنتاج الوطني لمن يهمه الأمر.