سراب زيادة الأجور
تخرج إلينا الحكومة كل حين بتصريحات جديدة تسوق فيها جملة من المبررات والأعذار فيما يتعلق بتردي الوضع المعيشي للمواطن السوري وتنتهي جميعها إلى خلاصة واحدة، هي: ألّا زيادة في الأجور عما قريب.
فمؤخراً صرحت وزارة المالية: أن الحكومة مهتمة بالفعل بزيادة الرواتب، لكنها أكدت أن الأولوية هي تأمين فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل، وهو الأفضل في الوقت الحالي، وأنها تتجه لدعم إعادة إعمار المناطق الصناعية وتشغيل المعامل المتوقفة أولاً، ثم الانتقال لملف زيادة الرواتب..
إنكار مستمر
إذن، وباختصار، تقول لنا الحكومة: لا تترقبوا زيادة في أجوركم، وكما سبق لها أن ربطت هذا الملف بتخفيض الأسعار حيناً والحوافز الإنتاجية حيناً آخر فهي اليوم تربطه بإعادة الإعمار، وهكذا يستمر الانكار الحكومي لضرورة زيادة الأجور وتسويفه تحت مختلف الأعذار، بحجة أنه ليس أولوية في الوقت الراهن.
لكن هذا العذر كسائر الأعذار السابقة، مردود على الحكومة، ذلك أن إعادة الإعمار ملف يطول تحقيقه ويتطلب دعماً وتسهيلات وسياسات مدروسة ولا يمكن تركه «على التيسير» وللوقت وحده، فعودة 500 منشأة للعمل في حلب العام الماضي وما يماثلها في ريف دمشق، كما يؤكد وزير المالية، ليست أمراً كافياً حتى تخلي الحكومة مسؤوليتها، وتجلس بانتظار عودة المزيد من المنشآت، وبالتالي توافر المزيد من فرص العمل.
ومن ناحية أخرى، فإن تصريحات الوزير تشير ضمناً إلى أن توفير فرص العمل أمر منوط بالقطاع الخاص وحده، في حين أن القطاع الحكومي هو الأقدر على توفير جبهات عمل ضخمة لشريحة واسعة من المواطنين، فالأجدر بالحكومة أن تتخذ سياسات حقيقية للاستثمار في هذا القطاع الذي وفر مقومات صمود البلد خلال سنوات الأزمة، وأن تعمل على ضخ دماء جديدة فيه، عبر استقطاب الأيدي العاملة الشابة، ووقف نزيف الفنيين والعمالة الخبيرة، وهما أمران لا يمكن تحقيقهما إلا برفع الحد الأدنى للأجور، والذي لا يمكن وصفه إلا بأنه غير متناسب على الإطلاق مع الأسعار والواقع الاقتصادي اليوم، وهكذا نعود إلى نقطة البداية، وهي: مسألة زيادة الأجور وتهرب الحكومة المستمر منها.
الجميع مسؤول إلا الحكومة
كما تحدث وزير المالية خلال لقائه مع وفد من إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة والعاملة في مجال التنمية المستدامة، أن هناك إمكانات كبيرة للتعاون بين الوكالة والحكومة السورية، وخاصة فيما يتعلق بتمويل إعادة إعمار المعامل المدمرة في المحافظات السورية، لافتاً إلى أن هذا الأمر سيخلق فرص عمل ضخمة، ويدعم الاقتصاد السوري، وأن الحكومة ترحب بأي دعم مالي يساعد في إعادة إعمار ما تهدّم، بعد أن تراجعت الموارد الحكومية خلال الحرب.
يوضح هذا التصريح: أن الحكومة لا تعوّل على القطاع الخاص وحده في تأمين فرص العمل، وإنما على المنظمات الدولية أيضاً، وكل ذلك ينصب في سياق تهربها من مسؤولياتها في هذا الصدد، فتأمين فرص العمل وزيادة الأجور وتحسين الوضع المعيشي مسؤولية يتحملها الجميع، باستثناء الحكومة!
لذلك_ عزيزي العامل_ إذا سمعت اليوم خبراً عن زيادة الأجور، أو عن تحسين المستوى المعيشي، أو عن توفير فرص العمل، أو... ، تذكر أنه يوم كذبة نيسان، وأن كل أيامنا مع الحكومة هي الأول من نيسان.