لماذا التسهيل للخاص والتفريط بالحكومي؟
منذ أيام مضت، تناقلت وسائل الإعلام المحلية خبراً عن لقاءٍ جمع وفداً حكومياً مع الفعاليات الاقتصادية والصناعية والتجارية في محافظة حلب، وخلص إلى نتائج، أبرزها: الاستمرار بسياسة الإقراض وتقديم التسهيلات الممكنة كلها للصناعيين والتجار، ورغم ضرورة تقديم الدعم لمساندة القطاع الخاص بعد ما لقيه خلال الأزمة، إلا أن ذلك يثير في الذهن تساؤلات حول واقع القطاع الحكومي، وتخاذل الحكومة عن دعمه، رغم أنه أكثر عائدية لخزينة الدولة.
الخاص على حساب الحكومي!
من حين لآخر تتحفنا الحكومة بقراراتها الرامية إلى دعم القطاع الخاص ومساعدته على التعافي من تداعيات الحرب، في حين لا يحظى القطاع الحكومي حتى بالوعود، حين يتعلق الأمر بإنقاذ الشركات المتوقفة جزئياً أو كلياً رغم أن الآمال تعقد عليه في انتشال الاقتصاد السوري من تبعات الأزمة، نظراً لما يقدمه من موارد حقيقية للدولة، إلى جانب فرص العمل التي يتيحها لآلاف العاطلين عن العمل، خلافا للقطاع الخاص الذي ينحصر جل اهتمامه في كسب المزيد من الأرباح، في مجالات خدمية لا إنتاجية غالباً، مما يحد من فرص العمل التي يمكن أن يوفرها، في حين يحقق أرباحاً مرتفعةً تذهب إلى جيوب قلة من الصناعيين بدلاً من دورانها في الاقتصاد المحلي كأجور ومنتجات، أضف إلى ذلك: مشكلة التهرب الضريبي التي تكبد الدولة خسائر تقدر بالملايين كل عام، رغم أننا في أمس الحاجة إليها للنهوض بالبنية التحتية والمجتمع السوري ككل.
من أوْلى بالدعم؟
الواقع، أن إسهام القطاع الخاص في مشروعات التنمية والاقتصاد العيني محدود للغاية، إذ أنه يتوجه بشكل خاص نحو الاستثمار العقاري والمصرفي والتأميني والمضاربات، إلى جانب ارتفاع تكلفة إقراض القطاع الخاص، فضلاً عن أنه غالباً ما يطالب بنسب أرباح أعلى من القطاع الحكومي، ويعاني من مستويات عالية من التهرب الضريبي.
في المقابل، يلتزم القطاع العام بأداء ما يتوجب عليه من الضرائب لخزينة الدولة دون تأخر أو نقصان، بالرغم مما يعانيه من فساد وتخسير وضعف، أو حتى انعدام في الاستثمارات التي يفترض ضخها في منشآته الإنتاجية على نحو خاص. إلى جانب القطاع الحكومي، يلتزم أصحاب الدخل المحدود وذوو الورشات الصغيرة أيضاً، بدفع ما يتوجب عليهم من ضرائب دون نقصان، ليبقى القطاع الخاص وحده الطفل المدلل للحكومة، والذي يحق له ما لا يحق لغيره.
والتهرب الضريبي_ والمقدر ب« 400 مليار ل س» وفقاً لمصادر متعددة_ الذي يمارسه القطاع الخاص أشكال كثيرة، منها: التهرب من تسديد الضرائب الجمركية، والتهرب من دفع ما يتوجب من أقساط لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، وبالتالي حرمان نسبة عالية من العمال من حقوقهم في التعويضات والزيادات الدورية والحوافز، وبالطبع لا ننسى الجانب الأبرز من التهرب الضريبي المسكوت عنه، والذي يتمثل بالتملص من تسديد الضرائب على الدخل التي يفرضها القانون رقم 24 للعام 2003.
التشاركية ليست حلاً!
يشير تقرير خاص نشر منذ فترة عن مؤسسات القطاع العام الصناعي خلال العام الماضي، إلى أن إجمالي عدد المنشآت التابعة لوزارة الصناعة يبلغ 64 شركة ومعملاً، منها 42 شركة عاملة و22 شركة متوقفة عن العمل بسبب ظروف الحرب، حيث بلغت خسائرها قرابة 3 مليار ليرة سورية.
وخلافاً للادعاءات القائلة: أن القطاع الحكومي لا يمكن أن ينهض ما لم تتم خصخصته بصورة جزئية أو كلية تحت مسمى التشاركية_ وهي ادعاءات لا تمت إلى الواقع بصلة_ فإن بمقدور القطاع الحكومي أن يوظف كفاءات إدارية وفنية عالية، إذا عدَّل أساليبه الإدارية وطوَّرها، كما يستطيع دعم شركاته بخطوط إنتاج جديدة تدريجياً عبر شراء التكنولوجيا الحديثة، وتوطينها، ورفد خزينة الدولة بأرباح حقيقية، وهو ما من شأنه أن يخلق منافسة عادلة بين القطاعين، بدلاً من دعم الخاص دون الحكومي، وتحقيق مكاسب تعود لفئة ضئيلة من الصناعيين على حساب الأكثرية التي تزداد فقراً وتهميشاً.