ذكر قد تنفع الذكرى!

ذكر قد تنفع الذكرى!

جريدة «قاسيون» اعتادت أن تجري في نهاية كل عام، استعراضاً ومراجعة لما قدمته خلال عام من قضايا ومواقف سياسية واقتصادية وعمالية، راغبةً بذلك التأكيد على تلك المواقف، ومطورةً إياها مع تطور الواقع الموضوعي بجوانبه كافةً، التي تحتاج إلى إجابات أيضاً متطورة معه

لا يخرج واقع الطبقة العاملة وواقع الحركة النقابية عن هذا الإطار الذي تحدثنا عنه، خاصةً وأن الحركة النقابية والحركة العمالية تواجهان تحديات حقيقيةً، متمثلةً بقضايا عديدة منها: السياسات الاقتصادية الليبرالية، والتي جزء منها اقتصاد السوق بقوانينه المتوحشة، التي تتحكم بالمفاصل الأساسية للاقتصاد الوطني، وهي بوصلته التي يسير على هديها محققاً بهذا «السيادة» المطلقة لقوى رأس المال على تلك المقدرات الهائلة من ثروة السوريين، وتتعزز تلك «السيادة» أكثر فأكثر مع غياب أصحاب المصلحة الحقيقيين، في الدفاع عن ثروتهم المنهوبة، لغياب دور القوى المفترض أنها تمثل وتدافع عن مصالحهم وحقوقهم.
في المؤتمرات التي عقدت العام الفائت، استعرضنا أبرز ما طرح فيها من مواقف قدمها أعضاء المؤتمرات، وكان القاسم المشترك بينها هي: قضية الأجور وتدني قيمتها قياساً بارتفاع الأسعار الجنوني الذي ساد عام 2017، حيث تدنت مستويات المعيشة إلى حافة الجوع، وكانت مواقف الحركة النقابية مقرةً بهذا الواقع، ولكنها تساير مواقف الحكومة بادعائها: أن لا موارد لديها من أجل زيادة الأجور، وتقول النقابات وقتها: «صحيح أن الأجور لا تكفي أيام معدودة من الشهر، ولكن العامل يعمل بوطنيته» ولا ندري إلى أي حد كان هذا الموقف مقنعاً للطبقة العاملة، ويجعلها تقبل بالأمر الواقع الذي فرض عليها، وتعمل هي فقط بوطنيتها، بينما الأطراف الأخرى العاملة ليل نهار على نهب منتوج عملها والثروة التي تنتجها، تتنعم بما لذ وطاب من أشكال البذخ والترف وغيره من أشكال النعم.
الموضوع الأخر، الذي حاز على مساحة واسعة من المعالجة والنقاش والكلام والأخذ والعطى، هو: قانون العمل رقم 17، الذي هو السلاح الضارب في يد أرباب العمل، وسلاح التدمير الشامل الذي واجه العمال في مواقعهم الإنتاجية «عمال القطاع الخاص» فقد تعرضوا لعمليات تسريح شملت عشرات الألوف من العمال، حسب تقارير رسميه للتأمينات الاجتماعية والحركة النقابية، أي: أن هذا القانون الذي مرر بوجود ممثلي العمال في مجلس الشعب، في لحظة الذروة من تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية، والذي في جانب منه تقديم الامتيازات التي تشجع قدوم رأس المال العربي والأجنبي، بما فيها حرية الرأسمال في تسريح العمال بشكل تعسفي، والتحكم المطلق بشروط عملهم في ظل غياب مطلق للنقابات بأن تكون طرفاً أساساً في العقد المبرم مع العامل، الذي أقر فيه المبدأ الرأسمالي في العلاقة بين العامل ورب العمل وهو«العقد شريعة المتعاقدين» هذا العقد الذي يخلي الساحة لأرباب العمل في التحكم والسيطرة، حتى القضاء لا سلطان له في أقرار حقوق العمال.
 الآن، يعاد طرح القانون للنقاش والتعديل والنقابات تدرس الاقتراحات المقدمة لها من اتحادات المحافظات، ولكنّ هذا كما هو الحال في كل مرة يطرح فيها للنقاش، أي: في غياب أصحاب المصلحة_ عمال القطاع الخاص_ والرأي العام.
«قاسيون» ستقوم تباعاً بطرح رؤيتها بهذا القانون إسهاماً منها في بلورة موقف يعبر عن المصالح الحقيقية للعمال، المفترض أن يتضمنها قانون العمل رقم 17 وكذلك ليساهم العمال بوجهة نظرهم بناء على تجربتهم مع هذا القانون.
 الموضوع الثالث: الذي يحمل أهمية خاصة في نضال الطبقة العاملة ويكون أحد أدواتها الفاعلة في الدفاع عن حقوقها السياسية والاقتصادية وحريتها النقابية والديمقراطية، هو حق الإضراب، هذا الحق المغيب الذي ينكره على الطبقة العاملة عملياً قانون العمل، بينما يقره الدستور السوري الصادر عام 2012 وكذلك لا تتبناه الحركة النقابية، مع أنه حق تقره اتفاقيات العمل الدولية التي هي عضو في منظماتها، ولكن الطبقة العاملة ما عادت تنتظر الإقرار من أحد للدفاع عن حقوقها المشروعة، وبدأت تخط طريقها المستقل بهذا الخصوص، حيث تتكون في هذا السياق قيادات عمالية لها وزنها ودورها في قيادة العمل العمالي والنقابي، تتمرس في أشكال النضال العمالي، وتحقق نتائج ستتعزز في القادم من الأيام.
المؤتمرات النقابية ستبدأ، هل سنشهد فيها مواقف تنقل الحركة النقابية من واقعها الحالي، إلى واقع أخر يستجيب للمطالب العمالية التي ذكرت أنفاً؟ سؤال ستجيب عنه الطبقة العاملة باعتبارها صاحبة المصلحة الحقيقية بالإجابة.