إعادة الإعمار ضمن مصلحة الطبقة العاملة؟
غزل الماغوط غزل الماغوط

إعادة الإعمار ضمن مصلحة الطبقة العاملة؟

مع عودة الأمان إلى العديد من المناطق، بالتزامن مع بوادر الحل السياسي، بات الحديث عن إعادة الإعمار الشغل الشاغل لأصحاب رؤوس الأموال الباحثين لأنفسهم عن موطئ قدم في مستقبل اقتصاد البلاد، بما يحقق مصالحهم بالدرجة الأولى، ويضمن لهم حصة مرضية في «كعكة» إعادة الإعمار.

لكن بعيداً عن مصالح هؤلاء ومخططاتهم وأهوائهم، أين تكمن مصلحة الطبقة العاملة السورية عند الحديث عن إعادة الإعمار؟ وهل ستسلم مقاليد الأمور لممارسي السياسات الرأسمالية، التي كانت واحدة من الأسباب الرئيسة لما نحن عليه اليوم؟

أجور عادلة
تواجه الطبقة العاملة تردي الوضع المعيشي، وارتفاع معدلات البطالة والهجرة، واستمرار السياسيات القائمة على هدر للمال العام، من خلال الفساد والتهرب الضريبي، وتراجع الدعم الحكومي، والذي تجلى منذ أيام بقرار الحكومة رفع الدعم عن الكهرباء في قطاع الصناعة، ما يعني مزيداً من تكاليف الإنتاج التي ستنعكس على الأجور وعلى أسعار المنتجات. لذلك تحتاج الطبقة العاملة في البداية إلى توفير فرص عمل مناسبة وبأجور عادلة، فحتى لو تمت إعادة تشغيل المعامل المتوقفة وتزويدها بخطوط إنتاج جديدة، فإن ذلك لن يكون كافياً ما لم يمنح العمال أجوراً تفي بمتطلباتهم المرتبطة بتأمين الغذاء والصحة والتعليم والسكن اللائق، بعد خسارة معظمهم لمنازلهم وممتلكاتهم جزئياً او كلياً.
وحتى تتحقق هذه الأجور العادلة، التي تضمن عودة العمال إلى الإنتاج وعدم عزوفهم عن العمل، لا بد من تشريعات عمل منصفة عبر قانون عمل موحد لا يفرق بين عمال القطاع العام والخاص، ولا يسمح بانتهاك حقوق شريحة من العمال لمجرد أنهم يعملون لحساب قطاع معين.

الغرب أم الشرق
تتنافس مختلف الدول على تقديم القروض والمساعدات اللازمة لإعادة الإعمار بما يخدم مصالحها الاقتصادية، وكدولة نامية تخرج لتوها من أتون الحرب، نحتاج إلى معرفة أي من هذه الدول تقدم المبالغ التي نحتاجها، بما يضمن دعم البنى التحتية للدولة، وعودة الإنتاج، وعدم تكبيد الطبقة العاملة مزيداً من الخسائر.
فالمساعدات الأوروبية مثلاً، ليست سوى استعمار حديث، إذ ترتكز على دعائم تبقي اقتصادنا ضعيفاً وتابعاً لها، كما هي الحال خلال الاستعمار القديم، وذلك من خلال سياسات اقتصادية أبرزها: استيراد الخامات الرخيصة بدلاً من التشجيع على تصنيعها وبيعها بأسعار عادلة (95% من نفطنا الخام كان يذهب للأوروبيين)، إلى جانب القروض والديون وآليات الاستثمار التي تصب في مصلحة الدول المانحة قبل كل شيء، وتفرض شروطها الخاصة على الدول المستفيدة، وطبعاً لا ننسى أموال قوى الفساد المحلية التي تنهب البلاد، لتكدس في البنوك الأوروبية، رغم أننا في أمس الحاجة إليها للنهوض باقتصادنا المدمر.      
في المقابل، فإن الصين أصبحت منذ عام 2011 في المرتبة الأولى عالمياً بتمويل التنمية، حيث يتميز تمويلها بعدم فرض أية شروط سياسية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المتلقية، والاحترام الكامل لحقها في اختيار مساراتها الخاصة. وتركز المساعدات الصينية على مشاريع البنية التحتية لتأتي الصناعة في المرتبة الثانية، تليها الطاقة وتنمية الموارد، ما يعني عودة دوران عجلة الإنتاج المحلي، وبالتالي توفير المزيد من فرص العمل والحد من معدلات البطالة.

العمال أولوية
تعبر الطبقة العاملة عن مصالح السواد الأعظم من الشعب السوري، وتعاني ما تعانيه من ظلم واستغلال وأجور متدنية، وظروف عمل قاسية، إلى جانب ما خلفته الحرب من تداعيات قادت إلى خسارة هذه الطبقة المفقرة أصلاً لمنازلها وممتلكاتها وتهجيرها في الداخل السوري وفي الخارج على حد سواء، لتزيد حالتها سوءاً وتتفاقم مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية.
وبما أن العمال هم الجانب الأهم في العملية الإنتاجية، فيجب أن يعاملوا على هذا الأساس، وينبغي عدم إخضاعهم لمبدأ العرض والطلب، الناجم عن ارتفاع نسب البطالة، على اعتبار أن ذلك من شأنه إرغامهم على القبول بأجور متدنية للغاية، كحل وحيد لمواجهة محدودية فرص العمل، فالتعامل مع الطبقة العاملة على هذا النحو سيخلق مزيداً من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تضاف إلى مشكلات أخرى راكمتها سنوات الحرب، بفعل السياسات الاقتصادية الفاشلة التي سبقت الأزمة وقادت إليها بشكل أو بآخر.