شرعنة التعسف في قانون العمل 17!
أي قانون من القوانين المتعلقة بالمصالح المباشرة للناس يخضع عند إصدارة لجملة من الاعتبارات وأهمها: أنّ هذا القانون من يخدم ومصالح من في الأغلب سيحقق، وقانون العمل رقم 17 الخاص بعمال القطاع، لا يخرج عن هذه القاعدة منذ لحظة التفكير بتعديله، أو إصداره بالحلة الجديدة المغايرة تماماً لما قبله من قوانين العمل التي كان معمولاً بها.
من يملك يقرر!
القوانين لا تصدر اعتباطياً إنما يفرضها الواقع ومتغيراته من أجل أن يلبي ويقّدم إجابه عن تلك المتغيرات الحاصلة، المعبر عنها بموازين القوى الطبقية وتعبيراتها السياسية التي تتغير أيضانً وفق التشكل الجديد لموازين القوى، حيث يتضح الاتجاه العام للمتغيرات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يعكس نفسه بأشكال مختلفة على الواقع الموضوعي، ومن ضمنها القوانين الناظمة للعلاقة بين الطبقة العاملة ومالكي وسائل الإنتاج، سواء كانوا قطاعاً خاصاً أو قطاع دولة فهنا الاختلاف بشكل الملكية ولكن الطرفين يستحوذان على منتوج العمل الذي ينتجه العمال بالقطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة.
بين الصعود والهبوط
قانون العمل 17 وهو تعبير حقيقي عن التغير الذي جرى تدريجياً في موازين القوى لصالح قوى رأس المال في داخل جهاز الدولة، مع التراجع في وزن ودور وقدرة قوة العمل وممثليها السياسيين عن إمكانية المواجهة المفترضة مع قوى رأس المال لأسباب عدة أهمها: انخفاض منسوب الحريات السياسية والديمقراطية، التي يمكن من خلالها على الأقل تحقيق ذاك التوازن المطلوب في المصالح والذي سيعكسه القانون.
مواقف في القانون
بناءً على ما تقدم سنعرض بعضاً من المواقف والتصريحات التي سوقت لإصدار القانون وفقاً لتلك المصالح المعبر عنها بالقانون :
د.ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل أنذاك « القانون جاء بعد حوارات مع جميع الأطراف (اتحاد نقابات العمال ، غرف التجارة والصناعة والسياحة، وزارة العمل كانت طرفاً حيادياً) الإطار الناظم للقانون العقد شريعة المتعاقدين.»
الوزيرة لمياء عاصي « إن قانون العمل الجديد والمزايا التي يتضمنها القانون يُعد محفزاً لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى سورية وهو يتكامل مع عدد من العوامل الأخرى في تحفيز الاستثمار».
مجلس الشعب يوافق بالأكثرية على المادة 65 من مشروع قانون العمل الجديد المتعلق بالتسريح غير المبرر.
ديالا الحاج عارف تقول «إذا كانت المادة 65 تشرعن التسريح غير المبرر فإنها تنص في الوقت ذاته على منح العامل تعويضاً مالياً مناسباً يكفيه إلى حين الحصول على عمل جديد».
الاتحاد العام للنقابات شارك في النقاشات حول القانون وقدم مجموعة من الملاحظات، ولكن في النهاية وافق ممثلوه في مجلس الشعب على القانون بحلته الأخيرة، وأصدر كُتَيْباً يبرز فيه محاسن قانون العمل تجاه حقوق العمال.
مضامين القانون
القانون 17 يتضمن ما يقارب ال280 مادة وتتضمن تلك المواد :
الزام صاحب العمل بتشميل العمال بالتأمينات الاجتماعية.
توثيق عقود العمل.
عدم قبول الاستقالة المسبقة.
منح العمال الزيادة الدورية.
إعطاء المرأة حقوق الحصول على إجازة أمومة.
زيادة مدد الإجازة السنوية والوفاة والزواج.
تأمين الطبابة.
توفير وسائل الصحة والسلامة المهنية.
سؤال مشروع
السؤال الذي يمكن طرحه بناءً على ذلك: هل طبق القطاع الخاص مضامين المواد التي أشرنا إليها أعلاه؟
كل الدلائل والمؤشرات والتقارير الصادرة عن النقابات تقول: إن أرباب العمل قد أخلوا إلى حد بعيد بالقانون ومارسوا جوراً واضحاً بحق العمال وحقوقهم، وخاصةً باستخدامهم للمادة 65 ، 64 التي أدت إلى تسريح عشرات الألاف من العمال حسب تقرير نقابي صادر عن المكتب التنفيذي قبل فترة من الزمن.
العمال سيقررون
إن السياسات الاقتصادية الليبرالية وقاعدتها تبني اقتصاد السوق الاجتماعي هي تعبير عن المصالح النافذة لقوى رأس المال، وهي تملك من القوى ما يمكّنها من تحقيق برنامجها الاقتصادي الاجتماعي وبالتالي فإن انتزاع الحقوق الأساسية للطبقة العاملة سواء المتضمنة في القوانين أو خارجها تحتاج إلى موازين قوى تتكون في مواجهة تلك القوى المستغلة، وعمادها الأساسي هي الطبقة العاملة السورية، التي يدفعها واقعها الموضوعي تجاه أخذ زمام المبادرة في الدفاع عن حقوقها حتى لو تخلفت عنها تلك القوى المفترض أنها تمثل مصالحها وتعبر عنها بالأشكال المختلفة، حيث تقف في منطقة الوسط بين طرفي الإنتاج وهذا ما يوسع الهوة بين الطبقة العاملة وممثليها المفترضين، وهذا مطلب كل القوى المعادية لمصالح وحقوق العمال.
إن النقاش الذي سيدور مستقبلاً حول قانون العمل ضمن الاثنين العمالي هام من حيث الشكل، ولكن لابد أن يكتسب مضموناً أخر عبر اشراك أصحاب المصلحة في نقاش القانون، وهم الكادر العمالي في القطاع الخاص الذين سيكسبونه لحماً ودماً.
امتلاك أدوات التغيير في أشكال الدفاع عن حقوق العمال وفي مقدمتها تبني حق الإضراب الذي هو حق دستوري وشرعي في سياق النضال العمالي، يعني تغيراً في معادلة الدخل الوطني « أرباح – أجور »لصالح الأجور الذي يُنكر على العمال حقهم فيه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825