من روج له فليقف ويتحمل نتائجه
لفهم إرادة المشرع وقصده من إصدار قانون ما، أولتفسير نصوص القانون يتم الرجوع عادة إلى الأسباب الموجبة التي يذكرها المشرع في متن القانون وإلى المداولات والنقاشات التي حصلت قبل إصداره .
صراحة حكومية!
بالنظر إلى الأسباب الموجبة لقانون العمل رقم 17 التي ذكرتها وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في المقدمه فقد ذكرت صراحة أنه: بات من الضروري تعديل قانون العمل رقم 91 وإدخال تعديلات جوهرية عليه بهدف تحقيق الانسجام والتوافق مع العديد من التطورات الاقتصادية والاجتماعية المستجدة بما يخدم المصلحة الاقتصادية للدولة، ويؤمن البيئة التشريعية السليمة، والأسس القانونية للازمة للارتقاء بعلاقات العمل ، قصدت الوزيرة حينها (بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية المستجدة) هي تبني الحكومات السورية منذ عام 2003 لسياسة اقتصاد السوق الاجتماعي وإتباع قاعدة أن الأغنياء هم قاطرة ، وكانت وزيرة الاقتصاد السوري لمياء عاصي قد ذكرت اثناء مناقشة القانون في مجلس الشعب أن: «قانون العمل الجديد والمزايا التي يتضمنها يعد محفزاً لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى سورية، موضحة في الوقت نفسه أنه: يتكامل مع عدد من العوامل الأخرى في تحفيز الاستثمار”.،أي: أنه عمليا قد تمت تهيئة البيئة القانونية اللازمة لتأمين مصالح قوى رأسمال على حساب مصالح طبقة عريضة وواسعة، تمثل الغالبية العظمى من الشعب وهم العمال .
مصالح رأس المال أولى بالرعاية
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد نص على أن القانون يبين رؤية اقتصادية جديدة لوظيفة قانون العمل في خدمة الاقتصاد الوطني من خلال توظيف علاقات العمل في خدمة عملية التنمية والمصالح الاقتصادية العليا اعتماداً على الدور الفاعل لمؤسسة القطاع الخاص كشريك يساهم في عملية التنمية والتطوير دون الإشارة إلى الدور الاجتماعي والإنساني للقانون، على اعتبار أنه يحدد مصير العمال، ويمس أدق التفاصيل في حياتهم وحياة أسرهم، وأن هدفه الاقتصادي يجب أن يخدم هدفه الاجتماعي لا العكس.
قانون تعسفي وجائر
وقد ذكر المشرع أنه أفاد من قانون العمل المصري واللبناني والأردني والجزائري والفرنسي، و استفاد من التوجهات السائدة في تلك البلدان من أجل الوصول إلى قانون عصري للعمل، يساهم في إعادة تنظيم علاقات العمل وجعلها أكثر استقرارا ووضوحاً وفاعلية (مع العلم أن الجميع يعلم حال الطبقة العاملة في هذه البلدان وما تعانيه من بؤس وحرمان والتحركات الشعبية التي شهدتها هذه البلدان خير دليل على ذلك ومازالت الطبقة العاملة هناك تقوم بالإضرابات للمطالبة بحقوقها حتى اللحظة )، عدا على أن قانون العمل السوري يعتبر أكثر القوانين تشدداً من القوانين المذكورة وإهداراً لحقوق العمال، فالقوانين السابقة لم تنص صراحة على التسريح التعسفي، وقد وقف القضاء الإداري في مصر ضد التسريح التعسفي واستطاع الغاءهُ .
حاولت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل تظهير بعض الأمور الصغيرة وتضخيمها للتغطية على عيوب القانون، واعتبارها إنجازاً للطبقة العاملة (مثل زيادة أيام الإجازات وتشغيل المعاقين) وللمفارقة أيضاً اعتبرت التعويض عن التسريح التعسفي إنجازاً لها ولوزارتها !!
ومع ذلك كله اعتبرت وزارة العمل أن القانون الجديد يهدف إلى تأسيس علاقة عادلة ومتوازنة للطرفين !! ووزيرة العمل تعتبر أن العامل الذي لا يملك سوى قوة عمله متوازن في القوى في صاحب العمل الذي يملك كل شي لدرجة أنه قادر على إصدار قانون يناسبه هو، فعن أيةِ عدالة تحدثت الوزيرة في قانونها؟؟
القانون واتفاقيات العمل الدولية!
في أي المواضع راعى قانون العمل الاتفاقات الدولية التي ألتزمت بها الجمهورية العربية السورية كما ذكر في مقدمته، فالقانون ضرب بالحائط أهم اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وخصوصاً الاتفاقية رقم 87 الخاصة بالحرّيات والحقوق النقابية، وكذلك الاتفاقية رقم 26 الخاصة بتحديد الحد الأدنى للأجور، وكذلك الاتفاقية رقم 95 الخاصة بحماية الأجور.
تغيب صوت العمال
ليس غريباً أن قانون العمل رقم 17 صدر دون أن يُطرَح للنقاش العام، حتى يستطيع كل من له مصلحة من حقوقيين ونقابيين وعمال أن يتقدم بملاحظاته، وقد استغلت قوى رأسمال انخفاض مستوى الحريات وجمود الحركة النقابية في البلاد، واستطاعت تمريره وهو ما كان ليمر لو سمح للعمال بالتعبير عن رأيهم، والنضال من أجل الدفاع عن مكاسبهم، وإذا كان البعض ما يزال يدافع عن قانونه، فنتائجه واضحة وضوح الشمس، ليكن شجاعا كما كان أثناء وضعه، ويقف أمام العمال ويقول أنا أتحملها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825