بصراحة: حطب الأزمة
لم يكن لدى الحركة النقابية قبل الستينيات من القرن حطب الأزمة!
الأزمة الوطنية التي تعصف بالبلاد والعباد ليست وليدة الخامس عشر من آذار بداية الحراك الشعبي السلمي الذي عبر عن نفسه على الأرض بشعارات تعكس مطالبه المشروعة التي عانى منها على مدار عقود وتوجت معاناته التي وصلت إلى ذروتها مع السياسات الاقتصادية
الليبرالية حيث كان إسهامها كبيراً في تحضير الحطب اللازم لإشعال الحريق الاجتماعي السياسي المطلوب إشعاله وفقاً للسياسات التي جرى تبنيها و المستندة إلى توجيه ودعم مباشر من المؤسسات المالية الامبريالية والعربية المرتبطة بها بوشائج التبعية والمنفذة لبرنامجها الاقتصادي السياسي الذي سار في بلادنا باتجاهين متوازين تم تفعيلهما بالسرعة الممكنة لإحداث الحريق الذي سيعبد الطريق أمام كل القوى المحلية والأجنبية ذات المصلحة المشتركة في التغيير« التقسيمي والتفتيتي والطائفي» .
إن المسار الذي سارت وفقه السياسات الليبرالية وعنوانه العريض إعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية أي إعادة النظر بكل ما هو قائم بسبب عدم ملائمة ذلك لسياسة التطوير والتحديث المفترض إنجازها وفقاً لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين وفي مقدمتها محاولة التخلص من القطاع العام باعتباره القاعدة المادية العريضة التي أستند عليها الشعب السوري في تأمين حاجاته الأساسية في التعليم المجاني والصحة وتأمين فرص العمل والاستثمار في الاقتصاد الحقيقي (الزراعة ــ الصناعة)، لذا كان لابد من إيجاد الخلل الضروري لإضعاف دور هذا القطاع على الأقل إن لم يتم القضاء عليه نهائياً كما جرى في مصر وتونس حيث كانت النتائج كارثية على شعبيهما من حيث عدد العاطلين عن العمل والمهمشين وارتفاع معدلات الفقر وازدياد مؤشرات الجريمة نتيجة لذلك وهذا ما تم عندنا ولكن بزمن قياسي بالنسبة لما جرى في مصر وتونس وبالنسبة للهيكلة الاجتماعية فقد تركزت في جانبها الرئيسي في تقليص إلى حد الإلغاء للكثير من الحقوق العمالية ومنها الحق بالعمل الدائم الذي كفله الدستور السوري السابق فقد جرى الترويج أن لا عمل دائم تكفله الدولة وأن العهد الأبوي للدولة قد ذهب زمانه ومن هذه القاعدة تم الهجوم على الكثير من المراسيم التي كانت الدولة تلزم نفسها من خلالها بتشغيل الخريجين من الجامعات والمعاهد المختلفة بالإضافة لطرح قضية العمالة الفائضة في المعامل والمنشآت الصناعية التي كانت تعاني نقصاً حاداً في عمال الإنتاج بسبب تقدم السن للعمال وعدم تعيين بديل عن العمال المتسربين والمرضى والمتقاعدين مما أربك العمل على خطوط الإنتاج المربكة أصلاً لقدمها وعدم تجديدها وأدى ذلك إلى ارتفاع التكاليف الإنتاجية وتكدس المخازين الإنتاجية في المستودعات الذي أدى إلى مزيد من الإرباك وتفاقم الخسائر التي منيت بها الكثير من الشركات الإنتاجية،وبهذا الفعل المرتب الناجم وعن سبق الإصرار والترصد تكون الأزمة العامة قد وصلت إلى ذروتها من حيث تحضير الحطب الضروري لإشعالها بالإضافة لعوامل أخرى كانت مساعدة مثل فتح الأسواق على مصراعيها أمام البضائع الأجنبية التي نافست الإنتاج المحلي وأخرجت من سوق العمل ألاف من العمال والحرفين كما هو حال صناعة الموبيليا الخشبية وصناعة الألبسة الجاهزة وغيرها من الصناعات المشغلة لعدد كبير من اليد العاملة وأصبحوا بطرفة عين عاطلين عن العمل باحثين عنه بينما الحكومة الحالية وسابقتها ومن خلال مؤشرات البطالة التي تروجها وتقول فيها أن حجم البطالة كبير وخطير،فقد صرح وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أن نسبة البطالة في سورية تتراوح بين ال20% - 30% فماذا يعني هذا التصريح؟ .
إن ما شهدته الأزمة من تطورات وما سبقها من مجريات كان يتطلب مواجهة حقيقية مع السياسات الليبرالية وممثليها تقوم بها القوى الوطنية والشريفة داخل النظام وخارجة من أجل نزع فتيل الأزمة التي كانت مؤشراتها واضحة وجلية أمام الجميع ولكن ضعف الموقف المقاوم لهذه السياسات بسبب غياب الحراك السياسي والجماهيري والحزبي قد أعطى فرصه كبيرة لقوى السوق أن تجمع الحطب اليابس من أجل إشعاله وعملت قوى الفساد مع قوى الخارج على الاستفادة القصوى لركوب هذا الحراك ودفعة باتجاهات بعيدة عن ما قام من أجله الحراك الشعبي السلمي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 543