أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

الطبقة العاملة السورية.. والقطاع الخاص

تلعب الأوضاع المتردية التي يعيشها عمال القطاع الخاص دوراً كبيراً في ضعف الطبقة العاملة السورية عموماً، كونها تبقي العمال في حالة قلق دائم على مصيرهم العملي ولقمتهم، خاصة وأنها تترافق مع غياب التشريعات المتكاملة، الناظمة والضابطة لحقوقهم. فالقانون رقم /17/ وبالرغم من أنه حمل بين طياته شيئاً من الإيجابيات إلا أنه لم ينصف العامل وظل غير قادر على إجبار أرباب العمل على أن يتمثل العمال في النقابات العمالية ليصونوا حقوقهم.

وهكذا، فلا تزال هناك خيبة أمل كبيرة عند عاملي القطاع الخاص الذين لهم دستورياً كامل الحق على دولتهم وحكومتهم بتوفير فرص عمل لهم وضمان الكثير من الحقوق الأخرى الملازمة أيضاً كحقهم في الإضرابات والتمتع بالتأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية، وخصوصاً وأننا مازلنا نشهد تراجعاً في قدرة الاقتصاد على إيجاد فرص العمل المناسبة للشباب، الأمر الذي يؤدي يومياً إلى تفاقم مشكلة البطالة، وبالتالي تراجع وضعف الأجور وتدهورها مما جعل الكثير من المواطنين يرزحون تحت خط الفقر، بكل ما يفرز ذلك من انتهاكات متعلقة بشروط العمل.
يعتبر قانون العمل رقم /17/ متخلفاً في الكثير من مواده مقارنة بقوانين العمل في الدول المجاورة ودول الخليج، حيث لا يتيح تشكيل النقابات العمالية بشكل ديمقراطي ووفق ضرورات تطور القوى المنتجة، وهو أدنى مطلب في معايير منظمة العمل الدولية بالتوازي مع وجود نقابة ضعيفة للعمال لا تؤدي معظم متطلبات الدور المنوط بها.
لقد كان لقاسيون دور بارز في تسليط الضوء على المشاكل التي يتعرض لها عمال القطاع الخاص والعام، إيماناً بدورها في تحفيز العمال للعمل على القضاء على الاستغلال والفساد، ومن هذا المنطلق سنسلط الضوء بالتتابع على السلبيات والمشكلات التي يتعرض لها هؤلاء العاملون، في كل شركة أو معمل خاص على حدة، والهدف الأساسي من ذلك ليس الإساءة أو التشهير بالمؤسسات والشركات والمعامل، وإنما النهوض بسوية هذا القطاع وتقويم أدائه سعياً نحو إصلاحه فعلاً لا قولاً.. ونقل هذه المشاكل إلى الإعلام وإلى المسؤولين للنهوض بمستوى المنشآت والعمال والرقابة العمالية.

سوء أوضاع العمال والضغوط التي تمارس عليهم،
هناك قلق كبير ينتاب العمالة السورية بسبب وجود الكثير من التحيز والتمييز ضدهم في أماكن عملهم، بمن في ذلك الشريحة المتعلمة التي غالباً ما تكتشف أنها لن تستفيد من شهاداتها في هذا القطاع سواء من حيث ظروف العمل أو شروطه أو درجاته وتراتبياته، وكذلك فإن ظروف عمل النساء صعبة للغاية، فالكثير منهن يقبلن بالعمل وهن محرومات من حق الأمومة وحقوق أخرى مثل الدوام المختلف والأجور، وهن لا يستفدن من الحماية التي يوفرها قانون العمل. علماً أنه في بعض مجالات العمل يمارس على النساء العاملات كل أشكال الاضطهاد والحرمان والتعسف، تصل أحياناً إلى الاغتصاب والاعتداءات وضعف الأجور التي لا تتناسب مع أوقات دوامهن مثل العاملات في معامل الخياطة ومحلات الألبسة والعاملات في المنازل.. (علماً أن بعض المتعهدين يجلبون العمال للعمل في النظافة بأجور لا تتجاوز 8500 ليرة وأحياناً بدون عطلة).
 إذاً فلا بد من قانون عمل جديد متوافق عليه بين أصحاب العلاقة الدولة وأرباب العمل والعمال، إذ كما تبين، توجد الكثير من المشكلات التي تحتاج إلى بحث وإيجاد حلول بصورة تحقق بعض العدالة لجميع الأطراف.

 السماح بحق الإضراب
يجب على قانون العمل أن يتيح حق الإضراب للعمال الذي يشكل الخطوة الرئيسية لإنهاء الاضطهاد، ويعكس الصورة الحقيقية للتغيير الاجتماعي.. فحتى هذا الوقت نرى أن الإضرابات ممنوعة في سورية، علماً أنها في كل الدول تشكل خط الدفاع الأول للعاملين لحماية حقوقهم ومكتسباتهم، فوسائل دفاع العمال المتاحة حالياً غير كافية نتيجة ضعف المفتشين ونتيجة ضعف القوانين، ونتيجة الفساد العام، وهو ما يؤدي إلى حرمانهم من أبسط الشروط الصحية والإنسانية وتزايد مخاطر العمل وتعقد إجراءات المحاكم التي لا تتيح للعمال الحصول على حقوقهم من حيث وجود مادة في قانون العمل تجعل رب العمل متهرباً من الحضور إلى المحاكم (على كيفو)، لذا نوصي بضرورة إيجاد قانون يحترم الحقوق العمالية والنقابية ويكفلها.
 
ضعف الوعي القانوني والنقابي لدى العمال في القطاع الخاص
يسود في القطاع الخاص بسورية مزاجية الرأي الواحد لرب العمل، فتنتج عنه نرجسية، بل وسادية في القرارات، مستغلاً عدم وجود رقابة صارمة، أو يقينه من تواطؤ الجهات ذات الصلة معه، وخصوصاً بعض مسؤولي ومفتشي التأمينات، فمسألة تسريب العمال وعدم تسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية وعدم تسجيل العمال بأجورهم الحقيقية وإجبار العمال على العمل الإضافي بأجور منخفضة وعدم ضبط مسألة الاستقالة وبراءة الذمة وعدم التزام الشركات بفقرة وجود نظام داخلي لكل منشأة... كل هذا من شأنه أن ينعكس سلباً على العامل، وفيه استغلال واضح للطبقة العاملة عموماً، هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب منح تعويض طبيعة العمل وبدل المسؤولية للعاملين في أعمال دقيقة وحساسة كأمناء المستودعات والعاملين في الأعمال التي تشكل خطراً على حياتهم أحياناً، وعلى أجسادهم أحياناً أخرى، ومساعدة المرأة العاملة عند الولادة من خلال دفع مصاريف المشافي والولادة ودفع طبابة للعمال.

أولويات يجب على الدولة رعايتها
إن دورة العجلة الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على الطبقة العاملة، فهي الميكانيزم المحرك الرئيسي للإنتاج، وعلى الدولة توفير فرص عمل مثالية للشباب تتوازى مع الفرص المقدمة في القطاع العام، وتحسين نوعية الأعمال بتلافي المخاطر للمهن الصعبة، ولو أن وزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسسة التأمينات قامت بجولة موضوعية بين أروقة المعامل والشركات التابعة للقطاع الخاص لتوقفت ببساطة عند أبرز المشكلات والظروف القائمة فيها، وربما تكفي زيارة شركة واحدة أو معمل واحد لمعرفة ما يجري في أغلب المواقع والمعامل الأخرى، فالهموم واحدة والمعاملة ذاتها والمشاكل نفسها.

إن الاطلاع على هذه المشاكل والصور والمعاناة التي تمارس على عمال القطاع وأهم السلوكيات التي يتبعها أصحاب العمال وسطوتهم على العمال ليس أمراً معقداً، وعلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية ووزارة الشؤون الاجتماعية القيام بدورهم وواجباتهم تجاه هذه السلبيات التي ساهمت بشكل كبير في استغلال الطبقة العاملة وتدهور أهم قطاع رديف للقطاع العام من خلال جهل العمال والفاقة والعوز المقترنين بقلة فرص العمل وغياب الرقابة والدوائر الحقوقية المدافعة عن أصحاب الحقوق والنقابات الضعيفة والفساد الإداري في الدوائر المعنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:19