هل سنشهد إعدام ما تبقى من قطاع الدولة؟
غزل الماغوط غزل الماغوط

هل سنشهد إعدام ما تبقى من قطاع الدولة؟

حين نتحدث عن القطاع العام ومآثره في بناء سورية، خلال مرحلة ما قبل الأزمة، لا بد أن نستهل الحديث بالقطاع الإنشائي، الذي يعود له الفضل الأول في تشييد مؤسسات الدولة وأبنيتها الحكومية، والمدن الصناعية، والوحدات السكنية، وصولا إلى الصوامع والجسور والسدود. لكن ما نراه اليوم من سياسات حكومية وتوجهات لدى الإدارات المعنية بالإنشاءات، هو أقرب ما يكون إلى عمليات تدمير ممنهج يراد لها أن تغدو الخشبة الأخيرة في نعش هذا القطاع الحيوي، كي تخلو الساحة لشركات القطاع الخاص، لتأخذ مجدها في تحويل البلاد إلى حديقة استثمارات خاصة، تعود بالنفع على شريحة ضيقة من المتنفذين على حساب الأغلبية المهمشة.

 

مُخَسَّرة لا خاسرة!

تعد الشركة العامة للبناء مثالاً جلياً على ما سبق ذكره، فقد كانت هذه المنشأة رائدة خلال عقدي السبعينات والثمانينات حيث قامت - بالاعتماد على عمالتها الذاتية، بعيداً عن المتعهدين- ببناء صروح ما تزال تشهد لها كوزارة التعليم العالي، وقصر الشعب، وصوامع الحبوب على امتداد القطر، لكن كل شيء تغير في ظل الأزمة، إذ دأبت القيادات المتلاحقة على تحويل الشركة إلى مشروع ربحي فردي بامتياز.

عمالة مهمشة!

تشكو الشركة من أن معظم عمالها  يعانون من التقدم في السن، مما يعيق إمكانية أدائهم لواجباتهم كعمال بناء، وتتخذ الإدارة من ذلك عذراً للتعاقد مع متعهدين معينين، مما يعود بالنفع على الإدارة والمتعهد في آن واحد، في حين يُكبد الشركة خسائر كبيرة ويحرم العمال من حقهم في العمل والمكافئات.

وصحيحٌ، أن عمال الشركة أكبر من أن يقوموا بأداء العمل الذي يتطلبه قطاع التشييد، المعروف بظروفه القاسية ومجهوده الكبير، لكن الحل ببساطة، هو: المواظبة على تجديد دم الشركة عبر استقطاب قوة عمل شابة تنهض بالأعباء التي لا تقوى عليها العمالة الحالية، لا أن تساق الشركة نحو الخصخصة، عبر التعاقد مع المتعهدين لتحقيق أرباح فردية على حساب المنشأة ككل، مع العلم أيضاً أن عمال الشركة يؤدون عملهم على مستوى أعلى من عمال المتعهدين، الذين يتفلتون بسهولة من الرقابة والمساءلة، وهو ما حدث منذ فترة، عند قيامهم بإنشاء خزان، تركوا منه ما مساحته نحو 400 مترٍ غير مستكملة الإنشاء.

عطلة مسروقة !

يجدر بالذكر، أن عمال الشركة - شأنهم في ذلك شان مختلف عمال القطاعات الإنشائية- محرومون من حقهم في العطلة يوم السبت، أو من تعويض مادي عن عملهم في هذا اليوم، على أقل تقدير، وهو ما أكده رئيس نقابة عمال البناء في دمشق خالد الزركلي، إذ أشار إلى أن عطلة يوم السبت هي مطلب محق، ويجب أن يتم إعطاء العمال بدلاً نقدياً في حال حرمانهم من العطلة أو إعادة منحها لهم، والخيار الثاني، كما يرى الزركلي، يبقى الأفضل في ظل السياسات الهادفة إلى ضغط النفقات، وعدم وجود جبهات عمل كافية، تستدعي تواجد العمال في هذا اليوم. 

ماذا عن إعادة الإعمار؟

وفي سياق متصل، تشكو الشركة أيضاً من ترهل آلياتها، ذلك أن أغلبها قديمة وقد أكل الدهر عليها كما يقال، وبالتالي فإن أعطالها كثيرة، وتتسب في نفقات تستنزف موارد الشركة، ولا سيما حين يكون للفساد الإداري يد في ذلك.

كما تمتد أصابع الفساد إلى المواد الأولية أيضاً، إذ يتم التلاعب بالتقارير، حيث يسجل في توصيف المنشأة التي تتكفل بها الشركة، أن الإكساء من النوع «الممتاز» في حين أنه في الواقع «رديء للغاية» وهكذا يذهب فرق السعر بين «الممتاز» و«الرديء» إلى جيوب الفاسدين.

وفي ظل هذا الفساد لا عجب أن يغدو السؤال هل هذه الشركة مستعدة ولو على نحو جزئي لمرحلة إعادة الإعمار وما تتطلبه من شحذ لكافة الجهود لبناء ما دمرته الحرب؟ والجواب ببساطة لا على الإطلاق، فحتى الآن ما تزال البنية التحتية للشركة في حدودها الدنيا، فمعظم الآلات متهالكة، والحوسبة – استخدام الحواسيب كبديل عن الأعمال الورقية – ما تزال أمرا مرفوضا بالنسبة للإدارة رغم أن فيها وفرا كبيرا في الجهد والوقت والتكاليف.

إلى أين يأخذنا التعميم؟

منذ أيام خلت كان وزير الأشغال العامة والإسكان قد أصدر تعميماً يقتضي بإلزام مدراء الشركات الإنشائية،  باتخاذ الإجراءات اللازمة والمناسبة كافة لصرف رواتب العاملين لدى هذه الشركات من تمويلها الذاتي، اعتباراً من 1\1\2017، وحجة الوزير في ذلك هي: ترهل الإدارات وحصول العمال على أجورهم دون عمل يذكر، حيث يحمل هذا التعميم في طياته، مطالبة للشركات الإنشائية بإيجاد جبهات عمل خاصة بها، كما لو أن في وسع هذه الشركات أن تحل وتربط بمفردها وبمنأى عن سياسات الحكومة!

ويؤكد الزركلي: أن التعميم كان يفترض أن يمنح مهلة كافية للشركات الإنشائية، ولا سيما تلك التي لحق بها الخراب بفعل الحرب، فالأولى والأجدى هو مساعدة هذه الشركات، عبر رفدها بآليات حديثة، وتعيين عمالة شابة فيها بدلا من الاعتماد على المتعهدين، وما يشوب التعاقد معهم من فساد لا يخفى على أحد، وإنهاء التشابكات المالية مع الجهات العامة، وقبل كل شيء توفير جبهات عمل حقيقية، تتيح لكل شركة دفع مستحقات عمالها، وهو ما من شأنه أن ينقذ شركات القطاع العام الإنشائي، ويبعد عنها شبح الخصخصة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
788
آخر تعديل على السبت, 10 كانون1/ديسمبر 2016 18:26