إلى أين تمضي بنا الحكومة؟
في سعيهم لتحصيل أرزاقهم وتأمين ضرورات معيشتهم، غادرت نسبة كبيرة من العمال المهنيين والفنيين البلاد، إضافة لأعداد كبيرة أخرى من الشباب الجامعي المتخرج, باحثين عن فرصة عمل، بأجر قادر بقيمته على تأمين الحماية لهم، ولعائلاتهم من العوز والحرمان.
يتعمد الكثيرون تجاهل الظرف المعيشي، كواحد من أهم العوامل التي أدت لارتفاع نسبة السفر لخارج البلاد، مكتفين بتعداد الأسباب العامة الأخرى، التي هي بالحقيقة موضوعية كالظروف الأمنية والعسكرية المحيطة بالعباد، وقضية الخدمة الإلزامية والاحتياطية والحصار الاقتصادي الذي انعكس على واقع الإنتاج وعوامل أخرى عامة لم تعد تخفى على أحد ولكن الاستمرار بمحاولة تجنب التطرق للحالة المعيشية الصعبة التي تعاني منها العائلات السورية المعتمدة في حياتها على الأجر ولا شيء سواه هي محاولة بائسة للتغطية على مجمل السياسات الحكومية الاقتصادية والنقدية التي أفقرت أصحاب الأجور حيث لم يعد متوسط الأجر قادرا على إعالة صاحبه، فكيف به إن كان مسئولاً عن معيشة أفراد آخرين؟
السفر من أجل العيش
لا يعتبر السفر من أجل العمل جديداً على المجتمع السوري، بل هو من أكثر الخيارات التي كانت العائلات السورية تلجأ له، من أجل تحسين واقع معيشتها، وتأمين مستقبل أولادها ومن الطبيعي أن ازدياد نسبة المسافرين للعمل مرتبطة بالوضع الاقتصادي في البلاد وبالأخص سوق العمل ولهذا لم تكن الظاهرة جديدة كون الاقتصاد الوطني لم يكن في يوم من الأيام بخير، لدرجة يتخلى فيها السوريون عن السعي وراء أرزاقهم خلف الحدود بل على العكس من ذلك تماماً، فهذه الظاهرة كانت تتزايد كلما كانت الإجراءات الاقتصادية تقترب رويداً رويداً من تبني الاقتصاد الليبرالي بشكل علني وكامل وبمعنى آخر كلما كان دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية يتراجع لصالح قوى المال والنهب وحيتان السوق وكلما تناقص نصيب أصحاب الأجور من الناتج المحلي وارتفعت حصة أصحاب الأرباح.
(انا بسافر وعيلتي بتعيش)
بالإضافة للعوامل الموضوعية التي ذكرناها سابقاً، فقد أجبر الوضع المعيشي البائس الكثير من الشباب العامل والجامعي على السفر من أجل العمل في البلاد المجاورة وحتى في أوروبا راغبين بأجر مقبول يكفي معيشتهم المتواضعة هناك وآملين بتحويل ما أمكن من أجورهم لعائلاتهم التي تنتظر أول كل شهر مبلغها المحول لها عن طريق شركات الحوالات ولعل الطوابير البشرية التي يمكن مشاهدتها أمام شركات الصرافة كلها خير شاهد على الارتفاع الكبير بعدد السوريين المعتمدين على حوالات خارجية من أجل الاستمرار بحياتهم، وتأمين الحد الأدنى من ضروراتها واحتياجاتها الأساسية والغريب أن هناك من يقول: وما البأس في ذلك؟ إن هذا الأمر هو خير ولمصلحة الاقتصاد الوطني.
الحكومة هي المسؤولة
إن الحديث عن ايجابيات (تصدير الشباب واقتصاد الحوالات ) كأحد الحلول الممكنة لتحسين واقع معيشة السوريين خلال الأزمة، هو مجرد مناورة للهروب من الخيارات الوحيدة الكفيلة بذلك وأولها: تغيير النهج الاقتصادي الليبرالي الممارس في البلاد وضرب مراكز النهب الكبير التي تبتلع ثلث الناتج المحلي إن لم يكن أكثر، والعمل على رفع حقيقي للأجور يكون الحد الأدنى منه مساوياً للضرورات المعيشية للأسرة السورية كافة والتوجه لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني الحقيقي، عبر العمل على إنقاذ القطاعيين الزراعي والصناعي بالدرجة الأولى والمضي بهما قدما فهما قاطرة الاقتصاد وطبعاً هذا سينعكس على واقع سوق العمل وتتوفر فرص العمل وتنخفض نسبة البطالة فالتفريط بالقوة العاملة هو تفريط بأحد أهم عناصر الثروة الوطنية فلسنا سعداء بالدولارات التي يحولها أبناؤنا المغتربين، ففي نهاية الأمر وإن دققنا جيداً سنراها تصب في خراج أصحاب الأرباح، وحيتان الاستيراد والناهبين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 788