ظاهرة الرشاوى في القطاع العام
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

ظاهرة الرشاوى في القطاع العام

أول ما يتبادر إلى ذهن المسؤولين عند تحدثهم عن مكافحة الفساد هو: ذاك الفساد الصغير المنتشر في الداوئر الحكومية وتلقي بعض الموظفين للرشاوي مقابل قيامهم بعملهم والذي يجمع الموظف من خلاله بعض المال قد يكون يماثل راتبه لكي يصرفه على نفسه وعلى أسرته, في محاولة منهم للتغطية على الفساد الكبير واعتباره كأنه غير موجود , مع العلم أنه مسببٌ للفساد الصغير.

 

أسباب انتشار هذه الظاهرة :

بالتأكيد هذا نوع من الفساد يجب محاربته وهو يسيء إلى الدولة ومؤسساتها وإلى الخدمات التي من المفترض تقدمها الدولة مجاناً لمواطنيها وأن تعاطي الموظف للرشاوي مقابل قيامه بعمله يزيل عنها تلك الصفة ويحولها إلى خدمات مأجورة, وبالتالي يسيء إلى المرافق العامة ودورها في خدمة المواطن, ولكن إذا عدنا إلى السبب الحقيقي في انتشار هذه الظاهرة فنرى أن الفقر المستشري بين ذوي الدخل المحدود وصعوبة تأمين احيتاجاتهم المعيشية لهم نتيجة لسياسات الاقتصادية الحكومية التي رفعت الدعم عن المواطن وسلمت رقبته إلى حفنة من التجار التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع وانخفاض مستوى المعيشي للمواطن وبات راتب الموظف لا يكفيه سوى لعدة أيام فقط من الشهر وهذا ما وضع العديد من الموظفين أمام خيار تقاضي الرشوة من قبل المواطنين لكي يستطيعوا اكمال الشهر وتأمين احتياجاتهم قدر الإمكان وخصوصا في ظل الأزمة السورية الحالية التي أوصلت العديد من الموظفين وخصوصاً في القطاع العام إلى حافة الجوع نتيجة انخفاض قيمة العملة وانخفاض قيمة رواتبهم أيضاً والتخلي الحكومي الكامل عن دعم ذوي الدخل المحدود, ونتيجة لذلك انتشرت ثقافة الفساد في مؤسساتنا ومجتمعنا وباتت مبررة حتى عند المواطن العادي الذي بات لا يتذمر من دفعه للرشوة ويقدم أعذاراً للموظف من باب (الله يعينوا شو بدو يكفيه راتبو صحتين على قلبو ) .

كيفية معالجتها :

ينطلق مسؤولينا، من أسباب الفساد وكيفية محاربته من باب فساد الأخلاق في المجتمع  دون النظر إلى الأسباب الموضوعية التي أدت انتشار هذه الظاهرة التي ذكرناها أعلاه, فمحاربة الفساد تتطلب معالجة الأسباب أولاً، وهي:  تغيير السياسات الاقتصادية وإعادة دعم للمواطن، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود ومحاربة الفساد الكبير الذي يسرق المليارات من خزينة الدولة ويهربها خارج البلاد , لأنه كيف سنحاسب من يرتشي من أجل أن يعيش ونترك من سرق البلاد وأضر بالاقتصاد الوطني وراكم ثروات هائلة من وراء ذلك ؟؟

فالاكتفاء بالقاء اللوم على أخلاق المواطنين للتهرب من تحمل المسؤولية وتحول الدولة  إلى واعظ، لن يعالج هذه الظاهرة بكل تأكيد , فمعالجة الأسباب تأتي أولاً، ثم معالجة النتائج ومحاسبة من يرتشي بعد ذلك بتفعيل قانون العقوبات وتأمين رقابة حقيقية للمجتمع على أجهزة الدولة ومؤسساتها وليس الاكتفاء بطرق الرقابة الحكومية السابقة التي أثبتت عدم فعاليتها . 

معلومات إضافية

العدد رقم:
787