نتمسك بأبوة الدولة؟

يخطئ من يظن أن احتجاج سكان المدينة العمالية بعدرا على الأسعار المرتفعة التي حددتها المؤسسة العامة للإسكان، لأن هذه المدينة تقع في منطقة ملوثة وظروف بيئية سيئة تفتقر إلى الحدود الدنيا لحياة البشر والنباتات والكائنات الحية الأخرى، وهذه حقيقة يفترض أن الجهات المعنية المؤتمنة على حياة إنسان هذا الوطن وبمختلف مستوياتها ومراتبها الوظيفية تعرفها جيداً لا سيما أن الإعلام تحدث كثيراً عن هذه المسألة التي طرحت أيضاً في الكثير من الاجتماعات الحزبية والنقابية والندوات المتخصصة أمام  أصحاب الشأن وبشكل مباشر.

كما أنه يخطئ من يظن أن بُعد هذه المدينة عن مركز العاصمة دمشق هو السبب الرئيسي وراء هذا الاحتجاج الذي حاول البعض أن يبرره بأشكال مختلفة، تارة تحت عنوان ضعف رواتب وأجور سكان هذه المدينة وعدم قدرتهم على سداد الدفعة الأولى 10% من قيمة المسكن، وتارة بحجة أن هذه المدينة شيدت فوق أرض شبه مجانية وبأموال دون فائدة تم رصدها لهذا الغرض من صندوق الدَيْن العام الذي أودعت فيه أموال التأمينات عقوداً كثيرة من الزمن دون فائدة تم رصدها لهذا الغرض، وتارة بحجة روائح الصرف الصحي الناجمة عن محطة معالجة مياه الصرف الصحي لمدينة دمشق والتي لاأحد يعلم الحكمة من اختيار المدينة العمالية عنواناً دائماً لها؟ وماإلى ذلك من أسباب كثيرة قد تكون كل واحدة منها تكفي لمطالبة سكان هذه المدينة بتعويضات بُعد المسافة والوجبة الغذائية الوقائية لأسباب التلوث ووسائل الحماية الفردية (كمامات) للوقاية من روائح الصرف الصحي ومستودعات الغاز والمحروقات... إضافة إلى اللقاحات المجانية لأطفال المدينة ضد التهاب الكبد الوبائي الذي أكدت الأبحاث العلمية أنه أكثر انتشاراً بالقرب من محطات المعالجة. نعم جميع هذه الأسباب تكفي للرد على من يقول أن ارتفاع أسعار المساكن العمالية بدمشق عنها في محافظتي حماة وحلب (بالتمايز) هي أسعار موضوعية ومنطقية كيف لا؟ والمدينة قريبة من العاصمة ترى أي تمايز هذا الذي يرفع سعر المسكن أكثر من 25 ـ 30% عنه في محافظة ثانية علماً بأن أسعار المواد واحدة وأجور اليد العاملة واحدة والمؤسسة المشرفة واحدة؟

مانريده، ونحن نطالب بإعادة النظر بأسعار المساكن العمالية بعدرا، ليس من منطلق استغلال الدور الأبوي للدولة، وليس رغبة بممارسة هواية التسول والكثير من عمالنا يعملون أكثر من عمل ويصلون الليل بالنهار على حساب راحتهم وأسرهم تجنباً للتسول ومهانته وبالتالي فإن ما نريده هو إعادة النظر بالتكلفة الحقيقية لهذه المساكن وذلك من خلال تشكيل لجنة متخصصة مهمتها دراسة واقع هذه المساكن من الناحية الفنية ومواصفات الإكساء التي لانبالغ إذا قلنا إنها دون الحد الأدنى المقبول، ونفذت بخلل فني عجيب وبعيداً عن رقابة الإشراف، ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة المؤلمة أنه مامن مسكن في هذه المدينة إلا وترشح مياه مرافقه الخدمية فوق بعضها البعض (الحمامات ـ المراحيض ـ المطابخ وحتى بعض نقاط الكهرباء السقفية).

كما أننا نطالب بفتح ملف تحقيق للجهة المنفذة لهذا المشروع للوقوف على مخالفات التنفيذ، مع الإشارة هنا إلى أن العودة  لسجلات الجهة المنفذة ستبين العديد من  الحقائق  نذكر منها: قيام هذه الشركة بتعهيد العديد من الأعمال لمتعهد من القطاع الخاص، وأن هذا المتعهد أنجز أعماله بالاستعانة بعمال الشركة وبأجور زهيدة مستغلاً تأخر الشركة عن دفع رواتب عمالها لأكثر من شهرين وحاجة هؤلاء العمال لأي دخل، وهذه حقيقة لا تحتاج في تأكيدها لأكثر من سؤال هذا المتعهد فيما إذا كان قد قام بتسجيل عماله في التأمينات الاجتماعية ضد إصابات العمل ودفع عنهم؟

بقي أن نقول: إننا لانطالب بأكثر من السعر الحقيقي لهذه المساكن مضافاً إليها هامشاً من الربح المشروع للمؤسسة وأن لانتحمل نفقات الخدمات لا سيما أننا دفعنا وندفع ما يترتب علنيا من ضرائب كما يدفع كل منا اشتراك الماء والهاتف والكهرباء وندفع 1% من أجورنا لصالح البلدية كما نطالب بأن تكون الفائدة 2% وليست 5% ونتصور أن هذه المطالب مشروعة، وأن فارق الخلاف بين تسعيرة المؤسسة وبين مطالبنا لايساوي في مجموعه العام أكثر من رقم مترتب على مستثمر صغير لفندق البلازا بلغت قيمة التهرب المترتبة عليه 230 مليون ل.س ضريبة دخل و23 مليون ل.س كهرباء ومثلها للهاتف ومثلها أيضاً لمؤسسة التأمينات اشتراكات عن عماله!!

ترى هل مطالبنا كبيرة ويستحيل تحقيقها؟ وللحديث بقية…

■ عن الزميلة «كفاح العمال الاشتراكي» العدد (2035) باختصار...

 

■ نبيل عيسى