الصّرفُ مِنَ الخِدمَةِ ظُلماً وعِدوَاناً.. بينما لا يُحاسَب الفاسِدونَ الكِبار ..!
هل أصبح الصرف من الخدمة رخيصاً وخاضعاً لقوى السوق الليبرالية.. كما سعر صرف الليرة السورية وفق الدولار..؟
إذا كانت المادة 137 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة تتيح صرف العامل حتى دون بيان الأسباب، فلا عجب أن يُكرّسُ ذلك في القانون رقم 17 المتعلق في القطّاع الخاص، فإلى متى سيبقى التعامل مع المواطن بأنّه مُتّهَمٌ إذا لم نقل مجرِمٌ في نظر المسؤولين حتى وإن ثبتت براءته؟ الفاسدون الكبار يتّبعهم الغاوون..وكبش الفداء من الأبرياء إلى الطاحون..!
هكذا هي حال العمال، فلكلّ جريمة من جرائم الفساد، وخاصةً الكبير منه كبشَ فداء، يذهب ضحيته غالباً الأبرياء، ومن ثم الصغار وفق مبدأ القوي يأكل لحماً مستوياً، والضعاف يروحون دعساً بين الأقدام..
لقد تناولنا ذلك في قاسيون مراراً، وآخرها في المؤتمر الصحفي الذي عقد فيها وشارك فيه العديد من العمال الأبرياء الذين صاروا كبش فداء، ولا ناقة لهم ولا جمل فيما حصل، وقد وردت إلى الجريدة مهزلةٌ أخرى من مهازل الصرف من الخدمة، وقد حدثت في الشركة السورية للنفط سنسرد بعض وقائعها المخالفة للقانون، والدستور، وحتى القضاء.
تبدأ الحكاية بأنّ إحدى الجهات الأمنية أوقفت أربعة عمالٍ في لجنة مشترياتٍ للشركة السورية للنفط لمخالفاتٍ بتاريخ 8/4/2007، وبعد التحقيق تبين أولهم قد حقق كسباً مقداره 150 ألف ليرة سورية، وتمت إحالتهم إلى القضاء مع اقتراح صرفهم من الخدمة وهم: مهند الشيخ وخلف الحنشول ومحمد علامي وحسام عبد الحافظ..
وسنتجاوز بدايةً دور تلك الأجهزة، وتدخلاتها التي تعتبر نفسها فوق القانون والدستور وفوق كلّ شيء، وكذلك الطرق التي تنتزع فيها الاعترافات من التعذيب وغيره.. ناهيك عن ممارساتها التي لا تزال مستمرة، ليس خوفاً كما الآخرين، وإنما باتت معروفة ومكشوفة وملّ قلبنا منها، والتي هي أحد أسباب الاحتقان الذي فجر الأزمة الحالية في سورية لأنها مست كرامة الوطن والمواطن..
وكذلك أيضاً سنتجاوز عن غياب أجهزة الرقابة الداخلية وهيئة التفتيش والمديريات والوزارات، أو عجزها عن القيام بدورها في المحافظة على حقوق الوطن والمواطن للسبب الآنف الذكر، أو لأسباب أخرى متعددة ومنها وأهمها الفساد الكبير فيها، لذا لا على الصغير حرج، وسنسرد الوقائع كما هي ومن ثم لكل حادثٍ حديث.
•بعد التوقيف وأحواله ومعاناته لفترة أشهر، وبعد الإحالة إلى القضاء، وقبل صدور الأحكام القضائية صدر قرار الصرف وفق المقترح الأمني، من الوزارة بالكتاب رقم 854/16/س تاريخ/17/7/2007 بناءً على كتاب رئاسة مجلس الوزراء السابقة السيئة الصيت والسمعة ذي الرقم 4014/1 لاتخاذ المقتضى القانوني بالصرف بتاريخ 28/5/2007
•بتاريخ 8/1/2008 أصدر قاضي التحقيق بدير الزور قراراً بمحاكمة مهند الشيخ أمام محكمة الجنايات، ومنع محاكمة الثلاثة الآخرين، واسقاط دعوى الحق العام عنهم.
•بتاريخ 16/6/2008 ردت محكمة النقض الطعن بالحكم من قبل مهند الشيخ شكلاً ومضموناً، وصادقت على منع محاكمة الآخرين وإسقاط الحق العام عنهم.
•عشرة كتب حول عودة الثلاثة الآخرين إلى عملهم وبعد صدور الحكم بخمس سنوات وما زال هؤلاء العمال يطالبون بحقهم بدءاً من كتاب التظلم الذي رفعه المدير العام بتاريخ 26/3/2008، والذي بين فيه عدم حدوث تضرر بالمال العام من قبلهم، ثم كتاب وزير النفط إلى رئيس مجلس الوزراء رقم 704/1/س تاريخ 16/5/2011، الذي يرجو اعادة النظر بقرار الصرف، ومنه إلى وزير العدل رئيس لجنة المادة 137، ومن ثم كتاب آخر من وزير النفط إلى رئيس مجلس الوزراء يؤكد فيه أن صدور الحكم لمصلحة المصروفين، وأنه أصبح ملزماً يإعادتهم إلى العمل، فترد أمانة رئاسة مجلس الوزراء بعدم الموافقة، وأن لا اختصاص للقضاء بذلك وهو ليس ملزماً، بينما يطوي رئيس مجلس الوزراء قراراً بالصرف بحكمٍ مماثلٍ، وبالشركة ذاتها والفترة ذاتها للعامل أحمد علي محمود بالقرار رقم 4879 تاريخ 13/3/2011 .
أما بعد، لا شكّ أنّ الحكومة السابقة السيئة الصيت والسمعة، بسياساتها الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية دمرت البلاد، وأهلكت العباد، وأكلت حقوق العمال ونهبت أموال الدولة والمجتمع، وعمقت الفساد في البلاد مما أدى إلى زيادة الاحتقان، وانفجار الأزمة التي تعاني منها سورية وسمحت للأعداء وللعملاء والخونة من كبار الفاسدين الذين تحولوا إلى معارضةٍ للتغطية على فسادهم وعدم محاسبتهم على جرائمهم..
وفي قاسيون إذا كنا نطالب بالمنطق العام بضرب الفساد الكبير ومحاسبته وخاصةً رموزه في الحكومة السابقة ومن يحميها من المتنفذين، وكذلك نطالب بسيادة القانون واستقلالية القضاء، وفصل السلطات، وكف يد الهيمنة الأمنية وممارساتها القمعية..
فإننا في الوقت ذاته نطالب بإعادة الحقوق إلى أصحابها من العمال وسائر المواطنين وخاصةً المصروفين من الخدمة ظلماً وعدواناً، ومنهم العمال المذكورون بعد خمس سنوات من المطالبة الحقّة، وبعد خمس سنواتٍ من المعاناة والألم والحرمان لهم ولأسرهم في ظلّ الأوضاع المعيشية التي أرهقت المواطنين..
وفي النهاية نؤكد أنه لا يضيع حقّ وراءه مطالب وأنّ حقوق الشعب لا تسقط بالتقادم .