بصراحة... مشروع الإصلاح الاقتصادي.. رؤية عمالية

بدأ العد التنازلي يقترب من الصفر، لبدء تطبيق مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي قدم لنا بشكله النهائي باعتباره العلاج الشافي لما أصاب اقتصادنا الوطني عبر عقود من الزمن من تخلف (الأداء الاقتصادي) كما عبر عنه البرنامج في  مقدمته، والذي سيطبق خلال ست سنوات قد تحققت فيه إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بما يتناسب مع سياسة الانفتاح الاقتصادي الجارية على قدم وساق، مشفوعاً ذلك بإعادة النظر بمجمل القوانين والأنظمة الجديدة سواء منها الناظمة لعمل الشركات والمؤسسات الاقتصادية بعد إعادة هيكلتها،

أو فيما يتعلق منها بالقضاء وأصول المحاكمات بشكل يلبي آلية السوق الجديدة التي تحتاج إلى قضاء متجدد ومرن لايعيق حركة الاستثمارات الجديدة ولايعيق كذلك حركة أصحاب الاستثمارات والرموز الجديدة لآليات النهب الجديدة القديمة في الاستفادة القصوى من هذه الفرصة الذهبية التي أتاحتها لهم، الظروف العالمية والإقليمية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واختلال موازين القوى لصالح الإمبريالية الأمريكية وحلفائها، وسيادة القطب الواحد الذي يحاول فرض منطقه على الشعوب كافة من خلال أدواته القديمة، صندوق النقد  الدولي والمؤسسات المالية الأخرى التي تقدم للحكومات والدول شروطها الواجبة التنفيذ حتى تتمكن هذه المؤسسات من تقديم يد العون المالي والمشورة والخبرة وأهم هذه الشروط هو ما يتعلق منها بالدور الاجتماعي والاقتصادي الذي تقوم به الدولة تجاه شعبها إذا كان هناك نظام دولة يلعب دوراً مهماً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كما هو عندنا.

إن المتتبع لردود الفعل الصادرة تجاه مشروع الإصلاح الاقتصادي من خلال ماكتبه العديد من الاقتصاديين وغيرهم يكتشف بسهولة أن هناك خطاً ناظماً لم يود هؤلاء التعبير عنه، خطاً يجمعهم، رغم تلاوين الكتابة والأفكار التي يقدمونها لنا، هذا الخط هو كسيف سيسير اقتصادنا الوطني نحو اقتصاد السوق، وما هي الخطوات والآليات التي سيتبعها للسير بهذا الاتجاه؟!

إن المتتبع لردود الفعل تلك سيجد تناغماً واضحاً بين تلك الأفكار والمواقف وما يعبر عنه المسؤولون على كافة المستويات الحكومية تجاه الدور الذي سيلعبه قطاع الدولة المستقبلي حتى يستطيع تحسين أدائه الاقتصادي المنوط به وإعادة توزيع الدخل الوطني بشكل يحقق العدالة المفقودة منذ عقود؟!!

لقد أجاب مشروع الإصلاح الاقتصادي عن ذلك بكل وضوح بعد أن قدم عرضاً إحصائياً لتطورات وتراجعات النمو الاقتصادي خلال العقدين الماضيين حيث كان النمو الاقتصادي خلال التسعينات، إلى منتصف التسعينات (8.2 %) بين عامي 1990 ـ 1995، حيث مال إلى الانخفاض في نصفه الثاني إلى 3.6 % حتى وصل إلى الوضع السلبي عام 1999 (- 3.5%) ولم يرتفع عام 2002 عن 0.6 %.

كذلك قدم المشروع عرضاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عام 1990 (42.1) ألف ليرة، الذي ارتفع عام 1998 إلى (60.2) ألف ليرة، ثم عاد للهبوط عام 2001 إلى 55.9 الف ليرة.

إن تقديم تلك الإحصائيات وغيرها والتي تقدم لنا مساهمة القطاع الخاص بالناتج المحلي البالغة حسب تصريح رئيس الوزراء 64.7% عام 2002 وكذلك حجم العمالة التي يمتصها القطاع الخاص من مجموع عدد العاملين والبالغ عددهم 5.1 مليون عامل حوالي 35 % من قوة العمل المنظمة وحوالي 39% لدى القطاع الخاص غير المنظم. إن تقديم تلك الأرقام يراد منها توضيح تراجع قطاع الدولة وإظهار القطاع الخاص باعتباره متقدماً وناجحاً، وتقديم قطاع الدولة باعتباره يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد  الوطني (كما يقولون) ويعتبر الآن المعيق الأساسي لإمكانية النهوض الاقتصادي، وإن دور قطاع الدولة يجب أن يكون محصوراً في القطاعات الاستراتيجية، وبناء البنية التحتية الضرورية والتي تخدم الاستثمار المحلي والأجنبي.

إن الهجوم الواسع الذي يتعرض له قطاع الدولة المنظم والمقونن من غايته تحميله تبعات ما آل إليه اقتصادنا الوطني من ضعف ووهن. والواجب الآن أن نقول إن ما أصاب قطاع الدولة من هذا الواقع ليس في قطاع الدولة ذاته، إنما السبب الرئيسي هو آلية النهب الكبيرة والواسعة التي تعرض لها خلال العقود الماضية بأشكال مختلفة ومتنوعة، استطاعوا من خلالها تكوين ثروات طائلة لابد من إعادة استثمارها ثانياً بشكل شرعي وقانوني، ليس هذا فقط بل لابد أن يكونوا أصحاب قرار في مقدرات البلاد والعباد، هذا ما صرح به أعضاء غرفة صناعة دمشق في لقائهم مع وزير الصناعة حيث طرحوا سؤالاً على الوزير: متى نصبح مشاركين في صناعة القرار، متى نساهم في إعادة تشغيل الشركات المخسرة...إلخ؟! وهذا هو بيت القصيد الذي يجمع كل قوى السوق والسوء.

إن قطاع الدولة لعب دوراً مهماً وأساسياً في حياة البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واستطاعت سورية أن تصمد في فترات سابقة في وجه الضغوط كافة استناداً لذلك.

والآن يجري الهجوم عليه من أجل إنهاء الدور الذي لعبه سابقاً، والمطلوب وطنياً من كافة القوى الوطنية الدفاع عنه بكل صلابة وقوة من خلال:

■ تخليصه من آلية النهب الواسعة التي تعرَّض لها قطاع الدولة.

■ الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة في قطاع الدولة والقطاع الخاص والتي تتعرض الآن لهجوم واسع على مكتسباتها وحقوقها عبر آلية إعادة الهيكلية وفائض العمالة وتحديد الشركات الاستراتيجية وفائض العمالة وغيرها.

■ النضال لتحسين الأوضاع  المعاشية للعاملين بأجر من خلال ربط الأجر بمستوى المعيشة السائد من مصادر حقيقية وليس من فرض ضرائب جديدة على الطبقات الشعبية أو زيادة الأسعار.

■ النضال ضد تحميل الطبقة العاملة تبعات تدني مستويات الإنتاج وبالتالي ربط تحسين أوضاعها المعاشية بزيادة للإنتاج.

إن الطبقة العاملة لا تتحمل تبعات الخلل بالخطط الإنتاجية والتسويقية والاستثمارية وغيرها.

■ النضال من أجل توسيع الحريات الديمقراطية للطبقة العاملة والحركة النقابية والقوى الوطنية لمواجهة البرنامج الاقتصادي والسياسي لقوى السوق والسوء.

إن الدفاع عن قطاع الدولة من خلال ذلك ليس معناه معاداة القطاع الخاص الوطني بل إن دفاعنا عن قطاع الدولة وتخليصه من كل أشكال النهب والهيمنة وإلغاء دوره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو بحد ذاته دفاع عن القطاع الخاص المرتبط بالإنتاج الوطني، وليس المرتبط بالرأسمال الأجنبي والقطاع الذي نما من خلال عمليات النهب بالشراكة مع البرجوازية البيروقراطية والتي لعبت الدور الأساسي في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه.

إن الوطن كله مهدد الآن وليس قطاع الدولة فقط، فالمطلوب خصخصة سورية كلها، فهل نستطيع الدفاع عن وطننا في ظل هذه الموازين؟

إن تجربة الشعوب وتجربة شعبنا تقول يمكن ذلك إذا استطعنا أن نحقق أوسع تحالف وطني شعبي يستطيع التصدي لذلك الحلف اللعين الذي يريد أن يقودنا إلى الهاوية.. هاوية الامبريالية الأمريكية والحركة الصهيونية. وهنا يبرز دور الطبقة العاملة المنظمة وحركتها النقابية المتحررة من كل أشكال التبعية والهيمنة على قرارها في الدفاع الحقيقي عن المصالح والوطنية ومصلحة الطبقة العاملة وفي القلب منه الدفاع عن المواقع الإنتاجية وتخليصه من آلية النهب الحقيقي.

فلنقاوم.

 

■ عادل ياسين