الحقيقة المرَّة...

... الهبوط الإضطراري الذي حصل في شركات عامة ببعض في القطاع الإنشائي عبر تاريخها الطويل منذ1967، كان نكسة أشد من نكسة حزيران على تلك الشركات ومازال. فالمقدمات الصحيحة تعطي نتائج صحيحة حتماً، ووضع الرجل المناسب بالمكان المناسب أدى وسيؤدي إلى تميَز ونجاح البعض، وعكسه الهبوط من فوق، أي تعيين مدير ما غير مناسب أدى وسيؤدي إلى فشل وخسارات وعبء هذا المسؤول على الوطن ومواطنيه.

وحين لا يرقى تفكير واستيعاب أي مدير عام أن كثيراً من الشركات الوطنية تميَزت ونجحت من خلال العمل الجماعي والمؤسساتي المبني على إحترام الفرد المؤطر ضمن الجماعة والأمثلة موجودة.

 والقرار الجماعي لا يقلل من شخصية المدير ولا يحد من ممارسته لدوره القيادي المميَز وصلاحياته القانونية، بل القرار الجماعي العلمي الحقيقي يؤدي إلى نجاح المجموعة بكاملها بقيادة هذا المدير وحماية له.

وعلى العكس حين يتسلط المدير وبحماية القانون أحياناً، على هذه المجموعة (اللجنة الإدارية مثلاً) وتكون ألعوبة بيده لأنه هو بنفسه أحضرها وهو بالأصل إقترحها واختار أعضاءها، وهو الذي يعطي ويمنح المزايا والفوائد والأعطيات والتسميات كل ذلك مالم يقل أحدهم لا، أو على الأقل يستفسر ويسأل بشكل مشروع عن عقد بالملايين سيوقع، وتعهد كبير سيلزم، وحينها تنسج العبارات وتحاك المؤامرات ضد هذا العضو، ويصبح نشازاً ضمن المجموعة وتبدأ حملات الإستئصال.

وعلى مدار / 25 / عاماً من واقع وتاريخ الشركات الإنشائية، كان هدف الدولة من خلق هذه الشركات بكياناتها ومكوناتها أن تكون مؤسسات حقيقية للعمل والإنتاج لرفد خطط الدولة التنموية بما تحتاجه من بنية تحتية أساسية ومنشآت كبيرة تدفع مستقبل الوطن للأمام وتعزز استقلاله وصموده، وتحقق كثير من العطاءات والإنجازات بشواهدها القائمة على ساحة الوطن، وبرزت مع السنوات إشكاليات التوسع الأفقي والعمودي للشركات الإنشائية ونقص جبهات العمل وظهرت نتائج غير مرضية أحياناً لميزانياتها السنوية ووصلت الأمور ببعض السنوات إلى خسائر بالملايين، فمن المسؤول عن هذه الخسائر؟؟؟ 

أهو المدير العام قائد هذه المؤسسة أو الشركة، أم مجلس الإدارة (اللجنة الإدارية)، أم العاملون بهذه الشركات !!!! 

بالأمس نشرت الإقتصادية في عددها الـ121 تاريخ 9/11/2003 رد السيد المدير العام للشركة العامة للطرق والجسور على ما أثير من آراء وجدل في العدد112 تاريخ7/9/2003 ولو جاء متأخراً شهرين:

حول موضوع (ما المصلحة وما الجدوى الإقتصادية بجعل مقر إدارة شركة الطرق والجسور بحماة)، وأورد السيد المدير العام للشركة مجموعة من التهم للعاملين في الشركة المدمجة (شركة قاسيون) وتعرض برده للخسارات التي وقعت فيها الشركة خلال الأعوام السابقة وتراجع الأداء في المشاريع والأعمال التي نفذتها، ونقص السيولة والتمويل، وشذرات أخرى مما أتحفنا به تقرير السيد المدير العام.

نبين أن شركة قاسيون منذ 1977 تاريخ إحداثها وحتى عام 2000 كانت شركة رابحة ومتوازنة عموماً، فهي قطاع مقاولات اقتصادي، تدفع رواتبها من تمويلها الذاتي، وليس من اعتمادات الموازنة، وتلبي احتياجاتها أيضاً بتمويل ذاتي، وعدد العاملين فيها بتاريخ الدمج 1/7/2003 بلغ 6165 عاملاً، وخطتها السنوية تتجاوز ملياري ليرة سورية لعام 2003، والخسارات بالميزانية ظهرت منذ2001 فقط وقبلها1998،1999، 2000، نتائج متوازنة ورابحة، فأين المشكلة؟؟؟ وما أسبابها ومكوناتها، وهل دمج شركة قاسيون ورودكو، وإحداث شركة الطرق والجسور هو الحل، أو أحد الحلول على الأقل بالمنظور العلمي والإستراتيجي وبدون إعادة هيكلية العمل والقرار في الشركة !!!

كما ذكرنا أعلاه إن الهبوط بالبراشوت من خارج الوزارة والشركة هو الذي أوصل شركة قاسيون لخسارات 2001 و2002 وعوامل موضوعية أيضأَ، ونحن لا نبرر الخسارات، بل هي ممارسات وتجاوزات وأخطاء بالجملة أدت لهذه النتائج، وكنت أحد العاملين الذين تصدوا لهذه الأمور وقتها، والأهم من ذلك هو المسؤولية الجماعية المفقودة منذ سنوات طويلة بشركة قاسيون وشركات أخرى، ونتحدث هنا مباشرة عن مسؤولية المدير العام وأعضاء اللجنة الإدارية والمدراء التنفيذيين عن الخسارات الواقعة خلال ممارستهم لمهامهم، ومدى مسؤولياتهم المباشرة ، وهل تمت محاسبة أحد لتاريخه، ولماذا؟؟ هذا هو السؤال الجوهري، وليس كيل التهم والدوران حول القضية والإلتفاف على الواقع، وتحميل عمال الشركة سبب الخسارات وإلقاء التبعات على الآخرين بدون دراية.

 الكادر البشري بشركة قاسيون منذ 1990 ولتاريخه متقارب والآليات بنفس المستوى، وجبهات العمل متواترة تزيد وتنقص  والأعمال تقارب مليارين سنوياً، إذن المشكلة في القيادة (المدير العام) وطاقم العمل التنفيذي الخاص حوله، واللجنة الإدارية معه، قيادتهم إذن أدت للخسارة؟؟ وقراراتهم يجب تحميلها مسؤولية الخسارة؟؟؟ 

 هذه نتائج المقدمات التي بيناها بشكل موضوعي، وهي واقع قائم. لتكن هناك مساءلة، ولتبدأ بالمحاسبة وفق الأرقام والوقائع والميزانيات، وهذا ما نستنتجه من توجهات وإجتماعات السيد رئيس مجلس الوزراء هذه الأيام. 

 فكيف يمكن للإدارات الجديدة المتعاقبة أن تتعظ وتتعلم وتعرف أن أعمالها تحت الرقابة الذاتية من العاملين قبل الأجهزة المتخصصة بالدولة، وأن مصير الشركة المدمجة والمحدثة معلق في الهواء ما لم يعمل الجميع بعقلية التطوير والتحديث والمشاركة الجماعية بصدق لا بالشعارات.

 وأن الدمج أو اللصق الذي جرى هذا العام بين شركتي قاسيون ورودكو وفروع الطرق، والذي بدا بأفق بعض المسؤولين بالحكومة السابقة أنه الحل للهروب بمشاكل الشركات المدمجة، هروباً للأمام، وقفزاً على الواقع، ونبقى نراوح في المكان والتعقيدات تتزايد والمشاكل تتفاقم بمقدمات واضحة حيث مازالت الأساليب والطرق المتبعة ذاتها، والعلاجات مازالت قاصرة، والنتائج مذهلة حقاً؟؟؟ تفكيك وتدمير للطاقات!!!

كما أنه هدر أبنية ومنشآت وبنية تحتية في دمشق وحلب بما يزيد عن مليار ليرة سورية لصالح رؤية فردية، ومقر مستأجر للشركة العامة للطرق والجسور بحماة، فكيف لمن يملك قصراً أن يسكن في فندق أقل من مستوى نجمة واحدة!!

والخطابات والرد بالصحف وتدوير الوقائع والإحداثيات من قبل الإدارة، وإلقاء التهم والسلبيات على الغير لن يغطي الواقع والوقائع، إذا أرادت الحكومة من الدمج النجاح وهذا أمر مؤكد، وأن تقطف ثمار الدمج تصحيحاً لمسار الشركات الإنشائية، فلا بد من قرار حاسم بإتجاه العمل الجماعي والمؤسساتي، فأي مدير عام لن يكون مسروراً من مجلس إدارة يحاسبه ويراقب عمله ويطالبه بنتائج إيجابية، والأهم أن يكون المدير العام تحت رقابة هذا المجلس، لا تحت وصاية من أعطاه المظلة للهبوط ويبقى تحت عباءته وينفذ تعليماته من خلف الستار.

 أما الحديث عن الإنجازات والنسب المئوية فمازال باكراً رغم تفاؤلنا دوماً، ثلاثة أشهر لا تكفي لتقييم عمل شركة لننتظر قليلاً، الأرقام المذكورة كانت ذروة موسم العمل، وجاهزية رافعة السيسيت وعقود أعمال لبنان، وسد الوحدة، وحلب والرقة ونفق الحجاز، والمتحلق الجنوبي، ليست مشاريع بنت ساعتها، هذه الأعمال مؤهلة منذ سنوات والآن أنتجت، طبعاً جهود العاملين كبيرة حتى قطف حصادها، ولا نظلم شركة عريقة كقاسيون وعمالها  إن كَبت مرة عبر مسيرة 

/25/ عاماً وجهود الإدارة المحدثة على الرغم من نقص كوادرها وخبراتها تبقى مشكورة، لأنها قامت بحراك مطلوب لبعض الأمور. 

ونأمل أن لا تكون منة وفضلاً أن تسدد الإدارة المحدثة ما تحسمه من أصل رواتب العاملين وتعويضاتهم الشهرية للنقابات العمالية والمهنية، والتأمينات وضم الخدمات، وحسميات قروضهم من التسليف الشعبي، وأن تقديم الطبابة والدواء قانوناًُ ليس بعطاء فردي أو منحة من الإدارة فهذا واجب للعامل، ليكون معافى وصحيحاً ليقدم عملاً منتجاً.

ولننظر للمستقبل برؤية مشرقة وأمل كبير بنجاح أي شركة في الوطن تحمي عامليها وتحترمهم ويبادلونها العطاء بعطاء أجمل  بعيداً عن الاتهامات والمصالح الخاصة للبعض بإبعاد من يحرص على العمل ويدافع عن حقوق العمال ويحافظ على شركته من الهبوط الإضطراري المؤقت بالبراشوت للبعض خوفاً من عدم فتح المظلة فتكون النهاية ؟؟؟

 

■ النقابي مروان العش