يامن طوبر يامن طوبر

كيف تنخفض إنتاجية العامل السوري؟!

ازدادت في السنوات الأخيرة أعداد العاطلين عن العمل بسبب عدم التوسع في بناء المشاريع التنموية القادرة على تشغيل الأيدي العاملة، بل أكثر من ذلك راحت الحكومة بانتهاجها سياسة الخصخصة وسبل تمويت القطاع العام الصناعي تصفي الشركات العامة  الواحدة بعد الأخرى، ولم يواز ذلك توسع القاعدة الصناعية  أو حتى الخدمية لدى القطاع الخاص لتصبح قادرة على امتصاص الأعداد الهائلة التي تطلب العمل،  وأعداد إضافية من العمال  ممن هجروا العمل في الزراعة لعدم تمكنهم من زراعة أراضيهم بعد موجتي الغلاء في أسعار مستلزمات الإنتاج، والجفاف الذي اجتاح هذا القطاع،  مما كان له أثر كارثي على البلاد، كل ذلك كان مدعاة لسلب العمال المؤقتين بقايا  حقوقهم المتهالكة، نظراً لزيادة العرض على الطلب في التشغيل، واضطرار من تسنى له أن يعمل عند هذه الجهة أو تلك في القطاع العام أو الخاص لأن يكون لقمة سائغة ودريئة لقذف الإهانات على تنوعها من جانب من توفرت لهم الظروف وحالفهم الحظ أن يكونوا أرباب عمل أو مستثمرين متحكمين بمصائر العمال، ورغم أن الأجر الذي يتقاضاه العامل المياوم أو الموسمي لا يكاد يسد الرمق، إلا أن الجوع الكافر يجبر هذه  الشريحة على كي الجرح بالملح، متجاهلة عمق الجراح والدم النازف.

 

عمال حملة الملاريا في محافظة حماة التي خصصت هذا الموسم لمكافحة الحشرة المسببة لمرض اللاشمانيا، يتقاضى العامل منهم 228 ل س  لقاء يوم  عمل مدته الرسمية ثمان ساعات، يضاف إليها ثلاث ساعات تضيع على الطرقات وصولاً إلى مكان العمل، حيث يقطع معظمهم مسافة لا تقل عن 140 كم كي يصلوا إلى القرى المستهدفة بحملة المكافحة، وبعد هذا الشقاء والتعب اليومي يقوم المسؤولون عنهم بالتهديد والوعيد بطردهم عند أول مطلب، وهذا ما حصل فعلا مع العامل(رامي) عندما تجرأ على المطالبة بأجره بعد مضي شهرين على بدء عمله كعامل مياوم في حملة مكافحة اللاشمانيا، وكثيراً ما يفاجأ العاملون في هذه الحملة بعد حضورهم وانجاز عملهم بأن أسماءهم غير موجودة على دفتر الدوام اليومي، رغم أن الملاحظين أي المشرفين المباشرين على العمال يثبتون حضور من حضر فعلا ومن تغيب .

هذه المعاملة المجحفة بحق العمال تشتت طاقتهم الإنتاجية في أي عمل يقدمون عليه، لينهش الارتباك وانعدام الأمان ما ادخروه من قوة. فعندما يسيطر الخوف يكون ناتج العمل أقل، فما بالك بغياب المحفزات وتعويض طبيعة العمل والحوافز الإنتاجية، مع أجر لا يتجاوز 7000ل.س يذهب 25%منه كأجور نقل، ويأتي من يقول إن إنتاجية العامل عندنا أقل من مثيلها في الدول الأخرى، ولأن الطلب على العمل كثير، وفرص الحصول عليه  قليلة، لا يجرؤ العمال على ذكر أسمائهم كي لا يكون مصيرهم الطرد من العمل.

 إن سياسة العمل هذه، التي تسعى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتثبيتها، يتم بموجبها تجريد العمال من حقوقهم المكتسبة، وقد أدت هذه السياسة  وتؤدي إلى إذلال طالبي العمل وتعويدهم على المهادنة تحت سطوة الحاجة إلى العمل المسلطة على الرقاب سيفا باتراً.
يا لها من ثقافة تولد نقيضها الذي باتت معالمه المعاكسة لنهج التجويع والترويض المذل ترتسم في اللهجة المتصاعدة عند القادة النقابيين، ونبرة الصوت الذي تحرر من سطوة الحكومة،  ليخط طريقه نحو ثقافة تحرر العمال من وصاية الأوصياء، واستخدام الطريق الأنجع لتحصيل الحقوق .