بصراحة الوطن في خطر . . القطاع العام في خطر. .
بحت حناجر النقابيين وهم يصرخون بأعلى أصواتهم الوطن في خطر والقطاع العام في خطر، ولكن الحكومة بأركانها، أذن من طين وأخرى من عجين، ولاحياة لمن تنادي.
عاد النقابيون وطرحوا ذلك في اجتماع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال، حيث كانت العديد من المداخلات تنبض بالحياة، وبحس عال بالمسؤولية تجاه الوطن، وهذا ليس غريباً عن الطبقة العاملة، فمنذ تشكلها كانت المسألة الوطنية المحرك الرئيسي لنشاطها ولمقاومتها، إضافة لدفاعها عن حقوقها، أي أنها مزجت النضال الوطني بالمطلبي، والذي تعثر لعقود عدة تحت شعارات كانت عاملاً أساسياً في غربة الطبقة العاملة عن قياداتها، وكذلك عن فعاليتها الإيجابية بالدفاع عن مصالحها وحقوقها، فهل يعيد التاريخ نفسه الآن؟!
كانت حرارة بعض المداخلات عالية، وهذا شيء طبيعي حيث سخونة الأحداث تحيط بالوطن بشكل عام، وبالطبقة العاملة بشكل خاص، وهي المهددة بحقوقها ومكتسباتها وبلقمة عيشها.
يمكن إجمال ماطرحته القيادات النقابية في هذا الاجتماع بما يلي:
1 ـ رفض كامل للتفريط بقطاع الدولة (العام)، وطرحه للاستثمار، باعتباره القاعدة الأساسية في دعم الصمود الوطني، والمقاومة، ومواجهة الضغوط السياسية، وحتى العسكرية، وبالتالي فإن المساس به والتفريط به وعدم تقديم المساعدة له وإصلاحه وتخليصه من ناهبيه، سيشكل نقطة ضعف أساسية في المواجهة الحقيقية داخلياً وخارجياً.
مطالب الجماهير، وعدم مصادرة حقوقها السياسية والديمقراطية، شرط أساسي آخر من أجل المواجهة وهذا ماأكدت عليه بعض المداخلات: (إن ملاقاة مطالب الجماهير الشعبية، والاستجابة لاستحقاقات الداخل شرط لاغنى عنه لتعزيز روح الممانعة والمجابهة، إن المسألة الاقتصادية والاجتماعية، والمعاشية ترتقي في أهميتها إلى مستوى المسألة الوطنية بل إنها الشرط الأساسي لها.).
2 ـ كانت قضية الفساد حاضرة بقوة في اجتماعات المجلس بحيث لم تخلُ مداخلة من ذكرها، وهذا طبيعي، لأن قضية الفساد أوصلت البلاد والعباد إلى حافة الهاوية، ومايعانيه الاقتصاد الوطني ومايعانيه شعبنا بفقرائه سببه الرئيسي الفساد والنهب بمراكزه الكبرى، والذي يشكل نقطة الارتكاز الأساسي، ونقطة الاختراق الأساسية أيضاً، ولايمكن خلق قواعد ثابتة للمقاومة والمواجهة السياسية والاقتصادية والعسكرية دون استئصال النهب ومراكزه الكبرى، وهذا يتطلب إشراك حقيقي لكل القوى الوطنية والمنظمات الجماهيرية وعلى رأسها نقابات العمال. إن الديمقراطية هي العامل المهم في مواجهة الفساد والنهب، والتي ستمكن الشعب من أداء دوره الطبيعي في حماية الوطن، هذا ماعكسته المداخلات التي قدمها النقابيون حيث قالوا:
(لماذا تريد الحكومة أن توهم الناس بمحاربة الفساد، هل تريد أن تسجل موقفاً إعلامياً؟ ولماذا يكون المتضرر الأساسي من نية الحكومة بمحاربة الفساد الحلقة الأضعف «العمال»).
وقالت أخرى: (الكثير من المسؤولين المعروفين بفسادهم وإفسادهم يتربعون على كرسي المسؤولية زمناً طويلاً، وتتفاجأ الحكومة أخيراً أنهم انكشفوا، ولكن الجماهير الشعبية والطبقة العاملة لم تتفاجأ).
وأيضاً: (لو أعطيت الحرية للشعب فإنه سيطرد الفاسدين من كل الأرض السورية).
3 ـ القضية الهامة التي احتلت مساحة من مداخلات النقابيين قضية الأجور والأسعار وعمال القطاع الخاص، حيث تكتوي الطبقة العاملة وكل الفقراء بنار الأسعار وتصاعدها، والحكومة لاتحرك ساكناً إلا في اتجاه واحد، وهو المصادقة على رفع الأسعار وإبقاء الأجور كما هي، ليس هذا فقط بل تبرر أمام المجلس وخارج المجلس إجراءاتها بتحرير الأسعار ورفعها، وأن ذلك لمصلحة المواطن كما قال رئيس تحرير صحيفة الثورة بافتتاحيتها (الدواء المر).
إن النضال من أجل ضبط العلاقة بين الأجور والأسعار، هي قضية وطنية من الدرجة الأولى، ولايمكن الركون والاطمئنان إلى الحكومة وإجراءاتها في تحسين معيشة المواطنين، ورفع أجور العمال. بل إن الموضوع يحتاج إلى موقف حازم ينطلق من المصالح الحقيقية للطبقة العاملة وبضرورة خوض النضال من أجل الدفاع عن هذه المصالح بشتى الطرق بما فيها حق الإضراب، والذي لايرغب العديد من القياديين النقابيين طرحه، أو تبنيه كأسلوب من أساليب النضال. وقد أثبتت التجربة الخاصة والعامة والوقائع أن الحكومة لايمكن أن تكون شريكاً للطبقة العاملة، بل هي رب عمل بكل ماتحمله الكلمة من معنى، رغم كل الشعارات التي يجري خداع الطبقة العاملة بها. لقد عبر أحد النقابيين صراحة موجهاً كلامه إلى رئاسة الجلسة:
(إن النقابات سوق ترفع دعاوى ضد الحكومة لتفريطها بملكية الشعب من خلال طرح القطاع العام للاستثمار والخصخصة). وأضاف: (إن ذلك مخالف للدستور السوري، ولايحق لأحد بيع أو تأجير القطاع العام).
لقد خلا اجتماع المجلس من أية قرارات تمكنه من ردم الهوة بينه وبين الطبقة العاملة وتساعد على استنهاضها مرة أخرى، فهل هذا يحتاج إلى جلسات استثنائية ؟! لاندري.