بصراحة كلام لابد منه
تصاعدت في الآونة الأخيرة حالات الاحتجاج التي يقوم بها العمال في أماكن متعددة، وفي صناعات عدة أيضاً، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، والناظم لهذه الاحتجاجات المتعددة والمتنوعة هي قضية الأجور واستحقاقات العمال في الزيادات التي لايحصلون عليها وإن حصلوا فهي منقوصة لاتلبي حاجات العمال الضرورية من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية، ومواجهة موجات الغلاء المتكررة والمتصاعدة والتي تستنزف قدراتهم، وتمنعهم من الحد الأدنى الضروري لتجديد قوة عملهم، وتلبية حاجات عائلاتهم من كساء وغذاء وصحة وتعليم.
إن الصراع بين رأس المال وقوة العمل هو صراع مستمر، ولابد لكل من طرفي الصراع أن تكون له أدواته في التعبير عن موقفه ومصالحه، ومن هنا فإن العمال يلجؤون عادة إلى نقاباتهم التي وجدت من أجل الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، وتكون منحازة لهذه المطالب والحقوق بشكل جذري دون مساومة ومواربة وتدليس، سواء كان رب العمل قطاعاً خاصاً أم عاماً، لافرق بين الاثنين من الناحية القانونية والعملية، فجميعهم أرباب عمل.
ومن هنا فإن النقابة بالنسبة للعمال هي أداتهم الفعالة التي تساعدهم في الحصول على مطالبهم،وحقوقهم، وتحسين شروط عملهم والدفاع عن موقع العمل، وعندما تختار بعض النقابات طريقاً آخر، طريق الموقف الوسط بين حقوق العمال وأرباب العمل فإن العمال سينصرفون عن هذه النقابة وسينظرون إليها كمؤسسة أو منظمة غريبة عنهم، باعتبارها تدافع عن مصالح أرباب العمل،وليس عن مصالح العمال وحقوقهم!!
لذلك، ومهما كانت المبررات التي تقدمها النقابة في موقفها هذا، لا يجوز لها اتخاذ الموقف الوسط هذا؟!
إن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتسارعة منذ عدة سنوات والمندفعة باتجاه اقتصاد السوق، سواء كان اجتماعياً كما يسمى الآن أو غير ذلك، إن تلك التطورات قد خلقت معطيات جديدة على الأرض أصابت بتأثيراتها الحركة النقابية والعمالية، فلم يعد الوضع كما كان سابقاً، ولن يستمر على ماهو عليه الآن، بدليل أن الكثير من الشعارات أو المقولات والتي كان طرحها من المحرمات سواء في سلوك الحركة النقابية أو في أدبياتها، الآن يجري تداولها في جميع الأماكن، في المؤتمرات والاجتماعات، كحق الإضراب، استقلالية الحركة النقابية، الانتخابات على أساس القائمة المفتوحة، النقابية السياسية، إشراك العمال الفعلي في الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم، ودورهم في محاربة الفساد والنهب.....إلخ من القائمة التي تطول، ولكن إلى الآن هناك العديد من المؤثرين في الحركة النقابية وخاصة في قياداتها العليا لا يريدون أن يقتنعوا بالمتغيرات التي تجري على الأرض، وما يزالون متمسكين بالدور المرسوم للحركة النقابية لتهميشها وإضعافها وتحييدها، والذي من خلاله أخضعت الحركة النقابية بكل مكوناتها السياسية وغير السياسية للإرادة النقابية الخاضعة أيضاً لغيرها.
إن الطبقة العاملة السورية عبر تجربتها التي خاضتها، والتي أحكم الطوق على عنقها في السنوات الماضية، هذا الطوق الذي مايزال محكماً إلى حد بعيد حتى الآن، بدأت هذه الطبقة المكافحة والجريئة بحلحلته على طريقتها الخاصة، بدأت تشق طريقها الخاص في انتزاع حقوقها بمعزل عن الجميع، وهذا ماقلناه منذ عام ونيف عبر قاسيون أو في الندوات العمالية حيث قلنا إن المارد العمالي بدأ يتململ، ولكن عوضاً عن سماع ذلك والسعي لملاقاة الطبقة العاملة في حركتها، كان التهكم هو سيد الموقف، والادعاء بأننا نبالغ في تحليل الموقف، ولكن الوقائع الآن تقول إن جملة الإضرابات والاعتصامات التي نفذتها الطبقة العاملة مؤخراً، هي وسائل وإشارات موجهة للحركة النقابية وإلى كل القوى السياسية الوطنية التي تتبنى الدفاع عن مطالب العمال وحقوقهم في برامجها، موضحةً تلك الرسائل والإشارات مزاج الطبقة العاملة وقدرتها على الفعل الضروري، وإن كانت وحيدة الآن، والذي سيمكنها من خلق التوازنات الضرورية في ميزان القوى المختل في الوقت الراهن لصالح أرباب العمل والرأسمالية عموماً، أليس هذا هو منطق السوق؟!
إزاء ذلك هل تبادر الحركة النقابية ومعها كل القوى الشريفة إلى ملاقاة الطبقة العاملة في دفاعها عن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أم ستشق الطبقة العاملة طريقها وتخلق أدواتها اللازمة من أجل ذلك معتمدة على قواها الذاتية فقط، حتى وإن كان ذلك سيؤجل الحسم والانتصار؟؟