عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة  قانون العمل ولعبة شد الحبل

 مشروع تعديل قانون العمل من أكثر القوانين التي أثارت وتثير الجدل بين الحكومة وأرباب العمل من جهة وبين النقابات من جهة أخرى، وهذا طبيعي باعتبار القانون وما يُطرح من تعديلات يمس مئات الألوف من العمال الذين خضعوا سابقاً لهذا القانون والذين سيخضعون لتعديلاته التي ستصدر قريباً كما يبشرنا به المبشرون.

إن مقترحات التعديل على القانون تأتي على قاعدة ما جرى من تطورات اقتصادية وتشريعية، تحت سقف التطوير والتحديث، أي التطوير التشريعي بما يضمن تعزيز معادلة اقتصاد السوق، أي كل شيء يخضع للعرض والطلب، وحسب مقتضيات السوق، ولا تخرج قوة العمل التي يبيعها العامل مقابل أجر معين عن هذا الإطار، ولذلك لابد من عملية ضبط القوة والعمل هذه بحيث تبقى تحت السيطرة والهيمنة تارة بقوة القمع والتجويع، وتارة أخرى بقوة القانون والتشريع، ولكن تكتمل اللوحة بكل أبعادها وخطوطها، لا بد من صياغتها وترتيب خطوطها وتوزيع ألوانها تحت جنح الظلام، وفي السراديب المعتمة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مستفيدين من الحديث النبوي الذي يقول: «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، وهذا ما جرى فعلاً لهذا القانون العتيد الذي وعدت السيدة الوزيرة بإظهاره إلى النور في نهاية شهر أيلول بعد استكمال الدراسة والترتيب من مجموعة  أخصائيين بشؤون العباد، بعد ذلك يُطرح على الحكومة لإقراره مع أنها أقرته سلفاً من خلال الكتاب الموجه إلى الوزيرة بضرورة أخذ مقترحات مؤتمر الصناعيين الأول بعين الاعتبار (قلمك أخضر)، واعتبار ذلك قراراً (سورية التشاركية).

  لسنا الآن بصدد نقاش التعديلات على القانون باعتبارها لم تنشر بعد إلا في نطاق ضيق جداً جداً، ولكن نحن بصدد الحديث عن الشكل الذي يجري الترويج لبعض مواده، وأبرزها (العقد شريعة المتعاقدين)، وتخفيض نسب الاشتراكات التأمينية، وتخفيض حصة أرباب العمل...إلخ.

  إن العديد من الأقلام على صفحات الجرائد الرسمية وغير الرسمية بدأت منذ فترة الترويج لهذه النقاط باعتبارها تحقق مصالح طرفي العقد، وأن العقد هو اختيار حر بين إرادتين متساويتين، والراغبتين في تحقيق هذا العقد بكل شروطه، كما جرى التعبير عن ذلك في جريدة الثورة بتاريخ 02/10/2005.

  (قانون العمل مفاده أن العلاقة التي تجمع الطرفين الأصل فيها حرية الإرادتين). هذا إضافة إلى العديد من المقابلات التلفزيونية التي جرت من أجل إظهار محاسن التعديلات الجديدة باعتبارها تحقق مصالح الطرفين هذا أولاً وثانياً وهذا المهم تستجيب لضرورات جذب الاستثمارات، وتغري أرباب العمل، والصناعيين والمستثمرين المحليين على توسيع استثماراتهم من خلال الإعفاءات العديدة التي تحققت لهم، أي أن الطرف الأول بالعقد محققة له كل الشروط القانونية والدعم الحكومي وشروط سوق العمل من أجل أن يحقق شروطه بالعقد، أما الطرف الآخر وهو الأضعف ما هي العناصر التي يمتلكها لتحقق شروط التساوي والإرادة الحرة المنوه عنها في القانون المنتظر؟؟

  إن عمال القطاع الخاص يشكلون أغلبية الطبقة العاملة السورية ويخضعون لشروط عمل مجحفة وأجور متدنية محرومين من معظم الحقوق والمكتسبات التي تمكنهم من إمكانية الدفاع عن حقوقهم ومكاسبهم رغم وجود المرسوم (49) الخاص بقضايا التسريح، ووجود نقابات تمثل العمال، وقانونياً مخولة بالدفاع عنهم وعن حقوقهم والمفترض أن تقود نضالهم بكل أشكاله، ولكن المشكلة مركبة ذات شقين: الشق الأول أن النقابات بعيدة جداً عن عمال القطاع الخاص وعن تنظيم حياتهم وشروط عملهم داخل تجمعاتهم وداخل المصانع رغم المحاولات العديدة التي تقوم بها النقابات من أجل ذلك لأسباب عديدة على رأسها ممانعة أرباب العمل بأن يكون للنقابات دور في شؤون العمال داخل التجمعات والمصانع.

  والشق الثاني: خوف العمال على لقمة عيشهم في حال مقاومتهم لعدم وجود مقومات لحمايتهم وأهمها تضامن العمال أنفسهم مع بعضهم بعضاً في الدفاع عن حقوقهم، وضعف المبادرة لدى الطبقة العاملة السورية في المرحلة الراهنة لأسباب عديدة أهمها الحريات الديمقراطية والنقابية المفقودة وخاصة في اختيار ممثلي العمال الحقيقيين المؤمنين بضرورة الدفاع والنضال المشترك مع العمال، هذا جانب والجانب الآخر والمهم أن القوى السياسية دون استثناء بعيدة عن شؤون وشجون العمال، مما يخل بموازين القوى لصالح الطرف الآخر.

  إذن المطلوب هو تعديل موازين القوى حتى تستقيم المعادلة وتتحقق شروط الإرادة الحرة المتساوية، التي يتحدثون عنها في العقد المبرم بين العامل ورب العمل، وفي مقدمتها أن تكون النقابات المفاوض الأساسي من أجل تحسين شروط العمل ومن أجل إقرار الأجور وزيادتها ومن أجل الصحة والسلامة المهنية ومن أجل حق الإضراب المهني والمطلبي... إلخ من المطالب.

 

  إن تحسين شروط النضال العمالي والنقابي يحتاج من جميع القوى الوطنية والطبيعية وفي مقدمتها النقابات أن تعيد النظر في علاقاتها مع الطبقة العاملة السورية في كل مواقعها وتواجدها سواء في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص، وأن تعيد النظر في شعاراتها وممارساتها التي كانت سائدة في مراحل سابقة، مما سيعيد القطار إلى سكته الحقيقية.