عمال شركة «شل»... أما آن للقضاء أن ينصفهم...؟ الرأسمال الأجنبي يتحول إلى جلاد.. والعمال السوريون و الخزينة العامة من ضحاياه
ليس هناك أسوأ من شعور المرء بالذل والمهانة والظلم وهو في عقر داره، في موطنه وبين أهله وذويه، وعلى يدمن؟ على يد شركة استثمار أجنبية ما فتئت تراكم الثروات وتحصد المليارات وترتكب المخالفات الكثيرة، مستفيدة من تخلفنا التقني والعلمي وربما القانوني والحقوقي، ومدعومة من بعض النافذين والمسؤولين غير المسؤولين الذين لم يفهموا من مقولة «تشجيع الاستثمار» إلا الخنوع لإرادة الرأسمال المعولم، والحرص على إرضاء سلاطينه، حتى لو ارتكبوا الآثام بحق عمال الوطن واقتصاد الوطن... وكرامة الوطن...
إن المأساة التي مازال يعيشها عمال شركة «شل» منذ سنوات عديدة، لهي مثال صارخ على الانتهاكات التي يتعرض لها بعض العمال السوريين العاملين مع الشركات الأجنبية التي «تستثمر في بلدنا» من دون أن يجدوا من يناصرهم أو ينتصر لهم لا في مجلس الوزراء ولا في القضاء ولا في الإدارة العامة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ولا حتى في النقابات...
من الأول: تعد شركة «شل سورية لتنمية النفط» المنقب الأول والأساسي عن النفط في سورية، وهي تعمل بناء على عقد قديم في التنقيب عن النفط وتنمية إنتاجه، أبرمته الحكومة السورية والشركة السورية للنفط مع شركة «ساموكو» أي ـ الشركة السورية الأمريكية للنفط ـ وذلك بتاريخ 12/10/1977، بعد ذلك تنازلت شركة «ساموكو» عن حصتها البالغة 62.5% لشركتي «بيكتين» و«شل»... حدث ذلك في عام 1985 وهكذا ورثت شركة «شل» عن شركة «ساموكو» كافة حقوقها والتزاماتها، وتم تصديق ذلك بالمرسوم التشريعي رقم 12 بتاريخ 12/8/1985.
ما حدث بعد ذلك أن شركة «شل» راحت تتهرب من التزاماتها تجاه الخزينة العامة من جهة، وتجاه العمال السوريين العاملين لديها من جهة أخرى، وراحت ترتكب العديد من المخالفات والتجاوزات التي أقل ما يقال عنها أنها إخلال متعمد بالعقد المبرم، الموروث، شجعها على ذلك تقاعس المعنيين المنوط بهم متابعة هذه الشؤون عن تنفيذ مهامهم ومراقبة أداء الشركة ومدى احترامها لشروط التعاقد ومتعلقاته.
الخزينة تدفع الثمن
من أولى الخروقات التي راحت تعتمدها الشركة في آلية عملها، هي أنها أخذت باسترداد الرواتب والتعويضات التي تدفعها للسائقين نفطاً مكافئاً، وذلك من خلال إضافة رواتبهم لرواتب الخبراء المتعاقدين معها، مخلة بذلك بشروط العقد التي نصت على أن (تسترد الشركة لقاء رواتب وتعويضات الخبراء ما يقابلها بالنفط المكافىء).
إن هذا الإخلال السافر مستمر منذ سنوات عديدة، وبأكثر الأساليب احتيالاً ورغم ذلك لم يعره أي من المسؤولون أي اهتمام، على الرغم أن الصحف السورية قد أشارت إليه أكثر من مرة!!
كذلك ترتكب الشركة مخالفات واضحة فيما يخص إدخال السيارات المؤقتة التي تحمل لوحات صفراء إلى البلاد، فهي تفرزها كما يحلو لها، وهذا مخالف لشروط العقد الموقع والذي ينص صراحة على أن يكون ذلك حكراً على السائقين المسجلين لدى الشركة والخبراء المتعاقدين معها حصراً، وبالتالي فإنها بذلك تتهرب بشكل مقصود من دفع الرسوم المتعلقة بإدخال هذه السيارات.
وهناك مخالفات أخرى تتعلق باستفادة الشركة وبشكل «مجاني» من مياه نهر الفرات وبكميات كبيرة ويومية، من دون أن تدفع مقابل ذلك قرشاً واحداً، وكأن المياه فائضة في بلادنا أو أنها دون قيمة!!
وأيضاً الشركة معفاة إلى الآن من الضريبة البيئية المتعارف عليها عالمياً، والتي تدفعها الشركات المشابهة في كل أصقاع الأرض، نظراً لما تحدثه من تلوث بيئي. كل ذلك تخسره الخزينة الوطنية بشكل يثير الارتياب ويترك التساؤلات الكبيرة بلا جواب لها حتى الآن؟!
مشكلة السائقين
كان يعمل في شركة «شل سورية لتنمية النفط» عشرات السائقين، ومعظمهم جرى التعاقد معهم من دون أن يلي ذلك تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية، كما أن عقود معظمهم لم تجدد أبداً، رغم أنهم ومنذ توليهم عملهم بإبرام العقد الأول (والوحيد) ظلوا على رأس هذا العمل ولم ينقطعوا عنه مطلقاً، عدا أولئك الذين جرى فصلهم لاحقاً وبشكل تعسفي كما سيبين المقال بتاريخ 01/06/2000، أجرى مفتشو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تفتيشاً مفاجئاً على الشركة، فتبين أن معظم العمال (السائقين) غير مسجلين بالتأمينات، فنظمت المؤسسة بناء على هذا الواقع جدولاً بأسمائهم، ووجهت إلى الشركة كتاباً يطالبها بتسجيلهم في التأمينات، وأصدرت بهذا الخصوص ثلاث نشرات استعلام بحق شركة «شل» بالأرقام التالية: 2754-833-2755-884-2756-885، وتم تسجيل 22 عاملاً، ووقع على ذلك نائب المدير العام للشركة، تبعه توجيه إنذار للشركة حمل الرقم 404 يطالبها فيه بتسديد 6.3 مليون ل.س لقاء تسجيل العمال.
لكن إدارة «شل» وبشكل غير متوقع، امتنعت عن تسديد هذه المبالغ، وادعت أن العمال غير المسجلين في التأمينات مفصولون من العمل عندها، وهم يعملون بصفة سائقين لدى الخبراء المتعاقدين مع الشركة، وبالتالي لاحق لهم في ذمتها، وليس هناك أية التزامات للشركة تجاههم. وهكذا بدأت المشكلة تكبر وتتسع وصار لها تبعات مأساوية.
فصل تعسفي
العمال، وحتى هذه اللحظة لم يكونوا يتوقعون من إدارة الشركة أن تتخذ هذا الموقف، خصوصاً وأن معظمهم يعملون في الشركة منذ عدة سنوات وبإخلاص كبير، فما كان منهم في البداية إلا أن لجؤوا إلى الحسنى فتقدموا بطلبات للإدارة ورجوها أن تعطيهم حقوقهم التي خصهم بها قانون العمل، لكن الإدارة أدارت ظهرها لهم، وأصرت على موقفها بعدم الاعتراف بهم كعمال لديها أمام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وراحت تضيق عليهم، مما دفعهم إلى التضامن، فتم وعبر المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال إحداث لجنة نقابية لهم تابعة لنقابة عمال النفط بدمشق، بناء على أحكام قانون التنظيم النقابي رقم 84 لعام 1968 والنظام الداخلي للاتحاد، وسميت هذه اللجنة النقابية باسم «اللجنة النقابية الثالثة والعشرين» وضمت كل من العمال: محمد حوزاني رئيساً، ومحمد بشير البابلي أمين سر، وعضوية عادل حسن وشيرو كم نقش وعصام الناظر، وأخذت هذه اللجنة على عاتقها المطالبة بحقوق العمال المتراكمة على الشركة، فما كان من الإدارة إلا أن أخذت بفصل العمال الواحد تلو الآخر من دون سابق إنذار، ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والتشريعات التي تحمي العمال وتمنحهم حقوقهم.
إلى أروقة القضاء
لم يعد أمام العمال الذين أمسوا بين ليلة وضحاها عاطلين عن العمل سوى اللجوء للقضاء لتحصيل حقوقهم، فرفعوا الدعاوى (الفردية) على شركة «شل» سورية ـ 32 دعوى ـ مطالبين بما يقدر بـ 6.5 مليون دولار. وكانت دعاوى سابقة قد رفعت ضد الشركة من بعض العمال الذين كانوا قد تعرضوا للظلم، وبذلك فإن أقدم هذه الدعاوى يعود إلى العام 1999، حيث راح القضاء ينظر إلى المشكلة بوصفها مشكلة آخذة بالتفاقم، خصوصاً وأن فرع دمشق لمؤسسة التأمينات الاجتماعية قد طالب بالحجز الاحتياطي على الشركة بسبب عدم قيامها بتسجيل عدد من السائقين لدى المؤسسة وامتناعها عن دفع مستحقات وتعويضات العاملين لديها والمفصولين بشكل تعسفي من عملهم وأوشكت المسألة على الوصول إلى النتيجة المرجوة لولا أن رئيس الوزراء السابق تدخل بشكل مفاجىء وأوعز بما يلي: «توقف جميع الإجراءات الإدارية (المتعلقة بالحجز على شركة شل سورية) لحين الانتهاء والبت في الموضوع قضائياً وكل مخالفة تستوجب المساءلة»!!! فجاءت هذه العبارة «السحرية» لتلغي كل ما كان يمكن للقضاء أن يحكم به لصالح العمال، ولتنسف كل الجهود المضنية التي بذلها هؤلاء العمال لتحصيل حقوقهم وبدورها قامت الإدارة العامة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بتوجيه كتاب إلى فرع التأمينات بدمشق يوصي بما يلي: «نعيد إليكم الكتاب رقم 37/16/3588 تاريخ 07/02/2002 مع كامل المرفقات، مع حاشية السيد رئيس مجلس الوزراء المعنونة (سري للغاية) والمسطرة على كتاب وزارة النفط والثروة المعدنية بخصوص شركة «شل» لذلك يطلب إليكم بناء على هذه الحاشية المسجلة برقم 926 تاريخ 05/02/2002 المتضمنة مايلي: (توقف جميع الإجراءات الإدارية من قبلكم لحين الانتهاء والبت في الموضوع قضائياً، وكل مخالفة تستوجب المساءلة).
وهكذا أصبحت القضية شائكة تتقاذفها إرادة المسؤولين التنفيذيين وليس إرادة القضاء الذي يفصل في مثل هذه الأمور في كل البلدان... عدا بلدنا!!
وماذا تنفع الأدلة
تدعي شركة «شل» سورية أن العمال الذين يقاضونها لا رابط بينهم وبينها لا عقود، لا التزامات...إلخ وأنهم مجرد خدم منازل، أو في أحسن الأحوال، مجرد سائقين يعملون لدى خبرائها!!، ولا تعترف الشركة بهذا الخصوص ببطاقات العمل التي يحملها هؤلاء العمال والممهورة أصلاً بختم الشركة وتوقيع مديرها ولا بنشرات الاستعلام التي رفعها مفتشو المؤسسة العامة للتأمينات أثناء تفتيشهم في الشركة، ولا باللجنة النقابية التي أحدثها المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال في جلسته 111 المنعقدة بتاريخ 09/11/2000... ولا بالشهود ولا... ولا...، والغريب أن كل هذه البينات والبراهين والأدلة الدامغة التي تثبت أن هؤلاء العمال كانوا في عداد وقوام الشركة حتى تاريخ فصلهم منها، لم يأخذ بها القضاء بعد، ولم تقنع العديد من المسؤولين التنفيذيين أن ثمة ظلماً كبيراً يجري بحق مواطنين سوريين عن سبق الإصرار والتصميم.
وهذا يفتح الباب على تساؤلات كثيرة، تتعلق بطبيعة العلاقة التي تربط بين شركة شل التي كدست أرباحاً هائلة نتيجة عملها في سورية تصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات، وبين بعض المتنفذين الفاسدين الذين ما انفكوا يدعمونها ويغضون الأبصار عن تجاوزاتها ومخالفاتها الكثيرة وهضمها لحقوق العمال السوريين الذين عملوا أو يعملون لديها، كما ويؤكد أن هناك الكثير مما يجب عمله فيما يتعلق بحماية حقوق الوطن وعماله قبل التعاقد مع أي شركة استثمار أجنبية قد تدخل البلاد.
انتبه... تحذيرات شركة «شل»
في كل مرة جرى تناول هذه القضية في الصحف السورية (تشرين، كفاح العمال الاشتراكي، نضال الشعب...إلخ)، كان يسارع المسؤولون في شركة شل سورية، وتحديداً المدير العام إلى تنبيه الصحفيين إلى ضرورة (توخي) الدقة والحيطة والحذر عند الحديث عن الشركة بلهجة فيها من التحذير والوعيد أكثر ما فيها من طلب الأمانة الصحفية، وذلك، ومن وجهة نظره، حرصاً على سمعة الشركة... فإذا كان مسؤولو الشركة ومديرها العام حريصين على سمعة شركتهم إلى هذا الحد، فلماذا لا يقومون سلوكها، ولماذا لا يكفون عن ارتكاب المخالفات المتتالية، ولماذا لا يؤدون الحقوق إلى أصحابها، أم أنهم يرون أنفسهم وشركتهم فوق القانون السوري والإعلام السوري والحقوق الوطنية السورية؟؟؟ أو لعلهم يحسبون أنهم بضغطهم و«شرائهم» لبعض ضعاف النفوس من الفاسدين، يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون في طول البلاد وعرضها دون أن يعترضهم أحد!!
ثم عن أية سمعة يتحدثون بعد أن عمموا أسماء العمال المتخاصمين مع شركتهم على بقية الشركات، لكي لا تتعاقد مع أي منهم!!؟ إلى هذا الحد وصل الأمر بشركة أجنبية، فأخذت تأمر وتنهى وتحلل وتحرم وكأنها هي صاحبة الدار!؟ لقد حاولت إدارة الشركة أكثر من مرة تمرير بعض الحلول (من تحت الطاولة) وساومت بعض العمال للتنازل عن الدعوى المرفوعة، وأغرت البعض، وتوعدت البعض الآخر، لكن العمال ظلوا ثابتين على موقفهم منتظرين أن يحسم القضاء المسألة لصالحهم ويعيد لهم حقوقهم أصولاً وبالطرق القانونية المشروعة، وهذا يحسب لهم في ظل التدهور الكبير لثقة المواطن السوري بقضائه...
في عهدة القضاء
القضية لا تزال الآن في عهدة القضاء، وقد أبدى وزير العدل الحالي تجاوباً ملحوظاً في شأن حسم القضية، وأوعز إلى المحامي العام لإعداد تقرير مفصل ودقيق حول حيثياتها كاملة، ليجري الأخذ به قبل إصدار الحكم النهائي، وقد مر على ذلك أكثر من ثلاثة أشهر، ومن المتوقع أن يكون التقرير جاهزاً خلال فترة قصيرة، ونأمل، بل ونتوقع أن يأتي هذا التقرير في صالح العمال نظراً للثبوتيات الكثيرة التي تدعم حقهم.
كما تجدر الإشارة إلى أن القاضي الذي كان مسؤولاً عن الدعاوى ذات الشأن التي رفعها العمال ضد الشركة، وبعضها عمره أكثر من ست سنوات، والذي أظهر تردداً كبيراً في الحكم بها رغم كل الثبوتيات، قد أقيل مؤخراً في الحملة الساعية إلى «تنظيف» القضاء من الفاسدين، وهذا أيضاً قد يبشر بإنهاء مأساة العمال الذين سئموا من كثرة الانتظار، ولا يريدون أكثر من حقهم، ويأملون من الجهات التنفيذية أن لا تعاود التدخل لحماية الشركة، وأن تدع القضاء يبت في القضية بناء على أحكام القانون وليس بناء على حسابات أخرى لا تمت للقانون بصلة...
إلى مقام رئاسة الجمهورية
إن العمال الذي التقتهم «قاسيون» يأملون من رئاسة الجمهورية أن تدعم القضاء وهو على وشك حسم القضية، وأن تبادر إلى حمايته ورفع أي ضغط قد يمارس عليه بغض النظر عن دوافعه ومبرراته سواء أكانت شخصية أو دبلوماسية... وبهذا الصدد يرجو العمال ألا يطول انتظارهم كثيراً، خاصة وأن معظمهم قد أصبح الآن بلا عمل، وبلا أي مصدر للدخل... وقد أكد لنا أحد هؤلاء العمال أنه يشعر بالغربة في وطنه نتيجة ما تعرض له من محاولة إذلاله من الشركة، كما ويشعر بأن مواطنيته قد انتقصت كثيراً وطالها الكثير من الأذى... فلا أقل إذاً من إعادة الحقوق إلى أصحابها وهذا أضعف الإيمان...
كلمة أخيرة
يظهر مما تقدم أن الفساد الذي استشرى في العديد العديد من المؤسسات والهيئات والسلطات في سورية، قد فتح باباً كبيراً حتى للشركات الأجنبية العاملة في بلدنا لكي تصول وتجول من دون حسيب ورقيب، وأن تخرق القوانين السورية كما يحلو لها، وقد آن الأوان برأينا لمحاسبتها واسترداد ما أخذته بغير وجه حق، وأن نعيد الحقوق للمتضررين سواء كانوا عمالاً أو مؤسسات عامة أو خاصة، وهذا ليس بالأمر الصعب، خاصة وأن جميع الثبوتيات متوفرة للقيام بهذه الخطوة، وإننا لعلى ثقة بأن وطننا ما يزال مليئاً بالشرفاء والأكفاء الممتلئين حرصاً ووطنية ورغبة في تطهير البلاد من الفساد والنهب، وإنصاف الناس، واستعادة الكرامة الوطنية.
■ جهاد أسعد محمد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.