أضواء على تقرير اتحاد عمال دمشق التقرير خطوة إلى الأمام ولكن المعيار هو العمل على تنفيذه
انعكست في تقارير المكتب التنفيذي لاتحاد عمال دمشق في مؤتمره الأخير رؤية الاتحاد لما يجري في البلاد سياسياً واقتصادياً وعمالياً، حيث لايخفي التقرير قلقاً وتخوفا ًمشروعين مما يجري من إجراءات اقتصادية وتشريعية وانعكاساتها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية على مصالح الشعب السوري بفئاته الشعبية الفقيرة، وخاصة الطبقة العاملة السورية وهو في رؤيته هذه يتقاطع في الكثير من النقاط مع ماطرحته مداخلات النقابيين في مؤتمراتهم، حيث عكست تلك المداخلات المزاج العمالي العام في مجمل القضايا التي تهم الطبقة العاملة السورية وعلى رأسها حقوقهم ومكتسباتهم وأجورهم، والتي تتعرض للتآكل المستمر بفعل قانون النهب الذي أطبق على رقاب البلاد والعباد، ويمكن أن نجمل معظم النقاط التي ركز التقرير والمداخلات في طرحها:
1. المتغيرات السياسية والاقتصادية المحلية والدولية.
2. الفساد وضرورة مواجهة كل مفاصله وبكل أشكاله المالي والإداري والإنتاجي.
3. واقع القطاع العام، وخاصة الصناعي، والهجوم الواسع عليه من خلال نظريات وإجراءات مختلفة لرموز اقتصادية وحكومية.
4. الأجور والأسعار ودور الحكومة في الموازنة بينهما.
5. حقوق العمال ومكتسباتهم المدورة من عام إلى عام دون استجابه لما تطرحه وتطالب به النقابات.
6. دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل / أموال التأمينات وتعديل القانون 91، التعليمات التنفيذية للقانون 50 .. ..إلخ.
7. واقع الاستثمارات الحكومية في القطاع العام والاعتماد على ماسيجلبه القطاع الخاص والرأسمال العربي والأجنبي من استثمار للنهوض بعملية التنمية وزيادة النمو.
8. البطالة والخطر الذي تشكله اجتماعياً وعدم إيجاد حلول حقيقية لهما.
9. واقع عمال القطاع الخاص والممارسات التي تجري بحقهم من أرباب العمل .
10. الزيادة في أعداد عمال القطاع الخاص ودور التنظيم النقابي في استقطابهم .
فقد جاء في التقرير «وتأكيداً على أن الاتحاد كان واضحاً منذ البدايات، وكنا نعلم مانحن ما ضون لتحقيقه في هذه الدورة التي كانت بكل المقاييس دورة المتغيرات والتحولات والمفاجآت والظروف السياسية المعقدة والمناخات الاقتصادية الجديدة وكان لابد من أن نكون على مستوى مايحدث وعلى مستوى مانطمح ويطمح عمالنا إليه».
حقاً إنها دورة المتغيرات، ولكن ليس المفاجآت لأن ماحدث ويحدث الآن من متغيرات ليست وليدة اللحظة، إنما كان يجري الإعداد والتحضير له منذ عقود خلت والآن بدأ القطاف بعد خراب «البصرة»، أي القطاف الاقتصادي والسياسي الضروري لقوى السوق والسوء ليمكنها من التحكم في البلاد والعباد، باعتبار هذا القطاف الاقتصادي هو أحد المرتكزات الضرورية للتحكم السياسي والسير بالبلاد باتجاه المشروع المراد تحقيقه للقوى الخارجية والداخلية.
القطاع العام أهم مرتكزات
الصمود الوطني
إن عمليات النهب الواسعة والصفقات التي مازالت تجري، شكلت تلك الأرضية الضرورية لإيصال قطاع الدولة إلى هذه النقطة الحرجة والتي كما يدّعون لايمكن إصلاحها وإعادة إنهاض هذا القطاع مرة أخرى لأخذ دوره المنوط به بحجة أنه لايوجد تمويل يمكن من ذلك، لذا استقر الرأي والنهج الحكومي والتشريعات الحكومية بالتوجه إلى الاعتماد الكلي على الاستثمارات التي (يمكنها) أن تحقق ماتريد الحكومات المختلفة تحقيقه من نمو وتنمية ضرورية.
هذا هو توجه الحكومة وهو واضح بكل تفاصيله، ولكن السؤال الذي يطرح الآن: ماهو برنامج النقابات الذي يمكنها من حماية قطاع الدولة باعتباره أحد أهم المرتكزات الوطنية في الدفاع والصمود الوطني وفي تحقيق التنمية والنمو المطلوب؟!
ماهو برنامج النقابات تجاه مصالح العمال وحقوقهم وزيادة أجورهم في القطاعين الخاص والعام وخاصة في القطاع الخاص الذي لايخضع لأي ضابط أو قانون فعلي أو حقيقي يمكن من النضال من أجل تحسين أجور العمال والدفاع عن حقوقهم؟
جاء في التقرير: لقد وضعنا أمامنا أهدافاً كانت واضحة بالنسبة لنا بعد أن درسنا واقع العمل النقابي في اتحادنا ونقاباته ومستوى كوادرنا وبيئة العمل وواقع القطاع العام والاقتصاد الوطني بشكل عام والخدمات والمتغيرات ومواقع القطاع الخاص وعماله وحقوقهم وإدماجهم في المنظمة النقابية، حاولنا في الأعوام السابقة أن نضع المنظمة النقابية على مستوى دمشق في الموقع الذي تستطيع فيه أن تتفاعل مع المتغيرات وأن تندمج في بيئتها العمالية عبر تطوير آليات عملها وتنويع الخدمات الاجتماعية والصحية وغيرها من الخدمات ومتطلبات عمال وعاملات دمشق.
مما تقدم نرى أن قيادة الاتحاد تقوم بجهد لتقديم إجابات على جملة المتغيرات التي تحدث في الواقع الاقتصادي والعمالي من خلال الدراسات العديدة، وأيضاً من خلال تطوير الخدمات التي تقدمها إلى العمال وخاصة في المجال الصحي من خلال المراكز الصحية المختلفة الموجودة والتي تحتاج إلى تطوير مستمر.
اعتمدت نقابات دمشق في ذلك على طريقتين لتحقيق أهدافها:
1. خلق أشكال جديدة من التعامل داخل المنظمة النقابية وبين مستوياتها تمثلت في اعتماد الشفافية والمؤسساتية في العمل.
2. تفعيل برامج التثقيف والحوار بأشكالها المتعددة بهدف التواصل وتوحيد الرؤية لوضع الكادر النقابي في الموقع الفكري والثقافي المناسب لهذه المرحلة، لتكون مقدرته أفضل في التعامل وفي إدراك المتغيرات.
ولكن تقاس الأفعال بالنتائج وبالمردود الذي تحققه تلك النتائج على واقع الحركة النقابية والعمالية، وهذا المردود عبرت عنه المداخلات وحتى التقرير، وهو تصاعد الهجوم على قطاع الدولة تحت شعار التطوير والتحديث وإعادة الهيكلة باتجاه تصفية هذا القطاع، وليس إعادة الهيكلة باتجاه تخليصه من أزمته والنهوض به، وهذا لم يأت بمحض الصدفة أو بدافع المنافسة الاقتصادية كما يقولون، بل في جوهره هجوم سياسي تقوم به قوى السوق والسوء استناداً للتجربة مع هذا القطاع والدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي قام به قطاع الدولة والذي استندت عليه البلاد في تحقيق إنجازات ليست بالقليلة، حيث جرى بناء القاعدة المادية الضرورية للتطوير اللاحق المفترض (سكك حديد، كهرباء، سدود، طرق دولية، موانئ....إلخ) فساهمت تلك القاعدة في إفشال الضغوط المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية ومنعت القوى المعادية من النجاح في تحقيق أهدافها وأيضاً الدور الاجتماعي المهم الذي قام به من التشغيل وامتصاص البطالة وتكوين آلاف الكوادر العمالية والمهنية.
هذا جانب، والجانب الآخر واقع الحركة العمالية من حيث حقوقها ومكاسبها التي يجري الهجوم عليها بأشكال مختلفة. والمتوقع تصاعد هذا الهجوم في ظل غياب القوى السياسية المناصرة، وإن كان يأخذ أحياناً أشكالاً هادئة وأحياناً أخرى أشكالاً عاصفة وذلك تبعاً لشدة المقاومة بهذا الهجوم أو ضعفها، وخاصة مايتعرض له عمال القطاع الخاص رغم وجود قانون عمل يحدد العلاقة بين العامل ورب العمل ووجود المرسوم 49 الخاص بقضايا تسريح العمال، ووجود قانون تأمينات اجتماعية.
إن أرباب العمل يعون تماما ًمايفعلون، ويقومون بخطوات استباقية تقطع الطريق على النقابات في تنظيم العمال في إطارها وذلك بأشكال مختلفة منها الأجور التي يتحكم بها أرباب العمل، ويجري الضغط من خلالها على العمال، والاستقالات المسبقة وبراءات الذمة التي تعفي رب العمل من التزاماته القانونية تجاه العامل.
والآن يلجأ أصحاب المعامل إلى أسلوب آخر خطير في محتواه رغم المظهر الإنساني الذي يظهر به رب العمل في عمله هذا، حيث يتعاقد العديد من أصحاب الشركات مع المراكز الطبية مثل (مركز محجوب الطبي، ومركز حفظ النعمة) ليحيلوا العمال إذا حدثت لهم إصابات عمل إلى هذه المراكز ليقدموا لهم العلاج، والعلاج هذا مؤقت يحرم العامل من حقه في تعويض إصابة العمل إذا أصيب بعاهة دائمة أو تعطيل في أحد الأعضاء جراء الآلات التي يعمل بها العمال والتي لاتخضع معظمها لأي وقاية من الإصابة، إن تلك الإجراءات التي يقوم بها أرباب العمل غايتها الهروب من تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية، وتلك المراكز المدعومة مالياً منهم هي البديل للتأمينات الاجتماعية.