بصراحة وانتصر الحق...
ليس غريباً أن تصغي الدول التي تحترم نفسها لإرادة شعوبها، وليس عجباً أن توضع مصلحة المجتمعات فوق مصلحة الاحتكارات ومن يمثلونها الذين لايبحثون إلا عن زيادة ثرواتهم ولو على حساب المجتمعات البشرية برمتها، إنها حقيقة لم تعد بحاجة لإثبات ولكن الأهم أن يدرك الجميع أحزاباً ونقابات بكل تلاوينهم، أن الطبقة العاملة عندما تعي ذاتها فهي لاتدافع عن مصالحها فحسب بل عن مصالح المجتمع بأسره، وهي «البارومتر» الذي من خلاله ينبغي على كل القوى أن تصحح مساراتها وسياساتها، فهي من خلال رؤيتها الطبقية لايمكن أن تقع في فخ الخيانة الوطنية، بل بالعكس، فمن يفرط بمصالح الطبقة العاملة يرتكب الخيانة الوطنية الكبرى!! التي تؤدي إلى سلب السيادة الوطنية وتحويل الأوطان إلى مشاريع استثمارية بحجة الإصلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بما يتلاءم مع التطورات الاقتصادية العالمية التي نحن جزء لايتجزأ منها، وبذلك يكونون قد حولوا ملكية هذه الشركات بشكل غير مباشر إلى الشركات الاستثمارية التي يقودها رأسمال لاوطن له ولاحدود، وهو يعبث بكل القيم القومية والوطنية والأخلاقية تبعاً لمصالحه ومصالح الجهات التابع لها. فمنذ بداية التحولات التي جرت على الصعيد العالمي أدركت الطبقة العاملة الأخطار المحدقة بها، وحذرت، ولكن لم يستجب أحد لتحذيراتها، فأغلب القوى السياسية على المستوى العالمي حزمت أمتعتها وغدت تقدم الطاعة وبكل الأشكال إلى ماسمي بالنظام العالمي الجديد، حتى الكثير من الأحزاب والنقابات بدأت بالتلاؤم والتواؤم مع المستجدات.
إلا أن الطبقة العاملة بحسها الطبقي أدركت أن هذا النظام حالة مؤقتة وعابرة وماهو إلا أبارتيد اقتصادي هرمي، يخدم أقلية تتحكم بمقدرات العالم وتنهب ثروات وجهد الكادحين، وطالبت كل القوى الشريفة أن تقف معها للوقوف بوجه الحرب الشرسة التي تشنها الاحتكارات العالمية باسم إعادة هيكلة الاقتصاد والخصخصة واقتصاد السوق بمسمياته الاجتماعي أو غير الاجتماعي ـ و السوق الحرة المنفتحة على الاحتكارات العالمية والمجتمع النقدي، فكل هذه الأمور تتطلب من كل القوى الشريفة أن تتحد في استراتيجية هجومية، غايتها ليس التخفيف من أضرار هذه الهجمة الإمبريالية المتوحشة، بل الوقوف بوجهها، لأنها إن استمرت وكتب لها النجاح، لاتهدد مصالح الطبقة العاملة فقط، بل المجتمعات البشرية بكاملها بحجة الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والفوقية.
ولهذا فالوقوف على الحياد في هذه المعركة لم يعد مقبولاً، لامن الأحزاب السياسية التي تدعي تمثيلها لمصالح الطبقة العاملة ولا من الحركات النقابية. فالمعركة بدأت والشعوب اختارت طريق المقاومة لكل المشاريع المطروحة ممايسمى بالنظام العالمي الجديد بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فهل نقف نحن في هذه المعركة على الحياد؟
نحن ندرك بعمق أحاسيسنا أن التحولات الاقتصادية التي تجري في بلادنا لاتخدم مصالحنا الوطنية، بل تخدم مصالح حفنة أرادوا أن يبيعوا اقتصادنا الوطني في المزاد العلني بحجة إرضاء المستثمرين وجلب الاستثمارات، والبضائع المعروضة في سوق النخاسة الدولي والتي يروجون لها بكل إمكاناتهم هي قوة العمل السورية المعروضة بأقل الأثمان، وحتى يمكن المساومة على حقوقها، فهي وديعة لاحراك لها، همها الوحيد الحصول على الحد الأدنى لمعيشتها لتأمين كفاف يومها. وللأسف الشديد فطبقتنا العاملة لم تصدم بأحزابها السياسية التي ساومت على مصالحها منذ زمن فحسب، بل زاد في الطين بلة أن قيادة الحركة النقابية قد انحازت بشكل مباشر إلى قوى السوق، وأعلنت شعارها الجديد: (من لايريد السير معنا في تنفيذ توجهات الحكومة الاقتصادية يمكنه أن يترك هذه الحركة، فنحن والحكومة فريق عمل واحد لايقبل التأويل). هذه وحدة جديدة غريبة تصدر من أعلى الهرم النقابي، وعلى مايبدو فإن هذه القيادات النقابية نسيت أو تناست أن وجودها أو امتيازاتها التي تحصل عليها هي من عرق هذه الطبقة التي لم يتجرأ أحد على المساس بكرامتها، ولهذا، ونحن نبارك لنقابات وعمال وشبان فرنسا انتصارهم في معركتهم ضد قانون العمل الجديد، نتساءل هل ستبارك قيادتنا النقابية بصفتها رئيساً لاتحاد العمال العالمي للنقابات، لنقابات فرنسا وعمالها، أم أنها سترسل رسالة توبيخ لأن النقابات والعمال عارضوا مواقف الحكومة؟؟ وبهذا تكون قد ارتكبت خطأ فادحاً بحق الاستقرار والأمن الاجتماعي الذين توفرهما الحكومات بغض النظر عمن تمثل؟؟؟